للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

نعطيه أرض سورية ويدع لنا الروم فكيف نعطيه بلادنا وأموالنا وأوطاننا، لا كان ذلك أبدًا، فوالله ما دعتنا ضرورة إلى ذلك.

فقال: والله لتُؤَدُّنَّ أحد الأشياء الثلاثة إذا ضغطكم في بلادكم، ثم سار حتى وصل الدرب والتفت إلى الشام وقال: السلام عليك يا سورية، سلامَ مودِّع، ثم مضى حتى دخل القسطنطينية (١). فكان آخر العهد به. ويقال: إنه مات مسلمًا. وسورية أرض الشام وحَدُّها درب الروم.

ورجع دِحْيَةُ إلى رسول الله فأخبره الخَبَرَ فقال: كان أحزمَ القوم.

وقال موسى بن عقبة: خرج أبو سفيان إلى الشام تاجرًا فقدم على قيصر فأرسل إليه قيصر يسأله عن رسول الله فلما جاءه قال: أخبرني عن هذا الرجل أيظهر عليكم؟ قال: ما ظهر علينا إلا مرَّةً وأنا غائب، ثم غزوتهم مرتين فبقرنا البطون وجدعنا الأنوف وقطعنا الذكور. فقال قيصر: أتراه كذابًا أو صادقًا؟ قال: بل هو كاذب. فقال قيصر: لا تقولوا هكذا، فإن الكذب لا يظهر به أحد، فإن كان فيكم نبيًا فلا تقتلوه فإن أفعلَ الناس لذلك اليهودُ (٢).

فصل: وأما سَليطُ بن عمرو العامري فإنه قدم على هَوذة بن علي الحنفي ودفع إليه كتاب رسول الله يدعوه إلى الإسلام فقرأه وكتب إليه: ما أحسنَ ما تدعونا إليه وأجلَّه وأنا شاعر قومي وخطيبهم والعرب تهاب مكاني، فاجعل لي بعض الأمر أتبعك.

وأجاز سَليطًا بجائزة ونفقةٍ وثياب من نسج هَجَر، فقدم على رسول الله فأخبره فقال: "والله لو سألني سيابةً من الأرض ما أعطيته، باد ملكه" فمات عام الفتح، وكان من عقلاء الملوك (٣).

والسَّيابة بفتح السين: البلحةُ.


(١) "تاريخ الطبري" ٢/ ٦٥١.
(٢) "دلائل النبوة" للبيهقي ٤/ ٣٨٥ - ٣٨٦ عن موسى بن عقبة.
(٣) انظر "الطبقات الكبرى" ١/ ٢٢٥ - ٢٢٦، و"المنتظم" ٣/ ٢٩٠.