للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بنت الحارث بن هشام امرأة عكرمة بن أبي جهل، وكلثوم بنت المعدل كنانية امرأة صفوان بن أمية، وفاطمة بنت الوليد بن المغيرة، ونسوةٌ من قريش، فأتين رسول الله وهو بالأَبْطح وعنده زوجتاه وابنته فاطمة ونساء من بني عبد المطلب فبايعنه، فقالت هند: يا رسول الله، الحمد لله الذي أظهر الدين الذي اختاره لنفسه، لتمسني رَحِمُك يا محمد، فإني امرأة مؤمنةٌ بالله، ثم كشفت عن نقابها وقالت: هند بنت عتبة، فقال لها: "مَرحبًا بكِ" فقالت: والله يا رسول الله، ما كان على الأرض من أهل خِباء أَحبُّ إلي من أن يَذِلّوا من خِبائك، ولقد أصبحتُ وما على الأرض من أهل خِباء أحبُّ إِليَّ من أن يَعِزُّوا من أهل خبائك. فدعا لها رسول الله وقرأ عليهن القرآن وبايعهن، فقالت هند: يا رسول الله ألا نصافحك؟ فقال: "إنَّي لا أُصافِحُ النِّساءَ" (١).

وقال الهيثم: جاءت هند متنكرة في النساء إلى الصفا ورسول الله جالس عنده، وعمر بن الخطاب رضوان الله عليه قائم على رأسه وبيده السيف صَلْتًا، فبايعه النَّاس وهند قد أرسلت خِمارَها على وجهها خوفًا من القَتْلِ، فقال رسول الله : "أبايعكُنَّ على أَن لا تُشرِكنَ باللهِ شَيئًا". قلْنَ: نَعم. قال: "ولا تَزْنين". فقالت هند: وهل تزني الحرَّة. فقال: "ولا تَسْرِقنَ ولا تَقْتُلنَ أَولادَكُنْ". فقالت: أما الأولاد فإنا ربَّيْناهم صغارًا وقتلتموهم كِبارًا، وأمَّا السَّرقة فقد كنت أصبت من مال أبي سفيان ولا أَدري أيحلُّ لي ذلك أم لا؟ فقال رسول الله : "وإنَّكِ لهِنْدٌ؟ "، قالت: نعم. فقال: "مَرحبًا وأَهْلًا". وكان أبو سفيان حاضِرًا فقال: أما ما مضى فأنت منه في حِلًّ، ومنَ الآن فلا. فقالت: يا رسول الله اعف عني. فقال: "عَفا الله عنكِ" (٢).

وهذا بمكة، وأمَّا في المدينة فقد بايعه معظم نساء الأنصار.

ولما أسلمت هند كَسَرَت كلَّ صنم كان في بيتها وقالت: لقد كنا منهم في غرور، وأهدت إلى رسول الله جدْيَيَنِ مَرْضُوفَيْن وسقاء من لبن، فأتت الجارية خيمته فاستأذنت، فأذن لها فدخلت وسلمت وقالت: إن مولاتي أرسلت إليك بهذه الهدية وهي معتذرة إليك، وتقول: إن غنمنا اليوم قليلة.


(١) "الطبقات" ١٠/ ٢٢٤ - ٢٢٥.
(٢) انظر "تاريخ الطبري" ٣/ ٦١ - ٦٢.