للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

شَعرنا إلا بالكتائب قد خرجت علينا من مضيق الوادي وشُعَبهِ، فحملوا علينا حملة رجل واحد، فانكشفتْ أوَّل الخيول مُوَلِّيةً، وتَبعهم أهلُ مكة وتبعهم الناسُ منهزمين لا يَلْوُون على شيء، فسمعتُ رسولَ الله والتفت عن يمينه ويساره والناس مُنْهزمون وهو يقول: "يا أَنصارَ اللهِ، وأَنصارَ رَسُولِهِ، أنا عبدُ اللهِ ورَسُولُه، أنا عبدُ اللهِ ورَسُولُه" ثم تقدم بحربته، فوالذي بعثه بالحق ما ضربنا بسيف ولا طعنَّا برمح حتى هَزَمَهُم الله، ثم رجع رسول الله إلى العسكرِ وأمر بأن يُقتل كلُّ من قُدِرَ عليه منهم، وجعَلَت هوازن تؤول وثاب من انهزم من الناس (١).

وقال جابر بن عبد الله الأنصاري: سبق رسولَ الله مالكُ بن عوف إلى الوادي، فانحطّ بهم في عَمايةِ الصبح، وثارت في وجوههم الخيلُ فشدَّت عليهم، وانكفأ الناس منهزمين، وانحازَ رسول الله ذاتَ اليمين ثم قال: "أَيُّها الناسُ، هَلُمُّوا إليَّ، أنا رسُولُ اللهِ، أنا مُحمدٌ" ومعه رَهْطٌ من أهلِ بيته ورَهْطٌ من المهاجرين، والعباسُ آخذٌ برأسِ بَغْلته البيضاء، ورسولُ الله عليها قد شَجرها، وثبت معه من أهلِ بيته علي ابن أبي طالب رضوان الله عليه، وأبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب، وأيمن بن عبيد، وهو ابن أم أيمن، وأسامة بن زيد، وثبت معه من المهاجرين أبو بكر وعمر رضوان الله عليهما.

قال: ورجلٌ من هَوازن على جمل أحمر بيده راية سوداء على رأس رمحٍ طويل أمام هَوازن، وهوازن خلفه، إذا أدرك الناسَ طَعنَ برمحه، وإذا فاته الناسُ رفعَ رمحه لمن وراءه فاتبعوه، فلما انهزم مَنْ كان مع النبي من جُفاة أهلِ مكة، تكلَّم رجالٌ منهم بما في أنفسهم من الضِّغْنِ (٢).

وعن جابر قال: لما رأى رسول الله يوم حنين ما رأى قال: "يا عباسُ اصرَخْ بالأَنْصار" فنادى العباس: يا أصحاب السَّمُرةِ، فأجابوه: لبيكَ لبيكَ، فجعل الرجلُ منهم يذهب ليعطف بعيره فلا يقدر عليه، فيقذف درعه ويأخذُ سيفَه وقوسه ثم يَؤمُّ الصوتَ، حتى اجتمع إلى رسول الله منهم مئة، وأشرف رسول الله في ركائبه


(١) "المغازي" ٣/ ٨٩٧ - ٨٩٨، وفيها: تولّي وثاب.
(٢) أخرجه أحمد في "مسنده" (١٥٠٢٧).