ابن بكر بن هوازن بن منصور، أَبو يَعْفور الثقفي، وأُمه سُبيعةُ بنت عبد شمس بن عبد مناف بن قُصيّ.
قذف الله في قلبه الإسلام فقدِم المدينةَ على رسول الله ﷺ فأسلم في ربيع الآخر فسُرَّ رسول الله ﷺ والمسلمون بإسلامه، ونزل على أبي بكر رضوان الله عليه وقال: يا رسولَ الله، ائذنْ لي أن أذهبَ إلى قومي فأدعوهم إلى الإسلام، فأقدُمُ عليهم بِخَيْرِ ما وفد وافِدٌ على قومِه، فقال له رسول الله ﷺ:"إنهم إذًا قَاتِلُوكَ" فقال: يا رسولَ الله، لأنا أَحبُّ إليهم من أَبكارِ أولادهم، ثم استأذنه ثانيًا، فقال له مِثْلَ قوله الأول، وقال له: يا رسولَ الله، لو وجدوني نائمًا ما أَيقظوني، ثم استأذنه ثالثًا فقال له:"إن شِئتَ فاخرُجْ".
فسار إلى الطائف فقدمه عَشِيًّا ودخل منزلَه ليلًا، فأنكر قومُه دخولَه منزِلَه، فحيَّوْه بتحيَّةِ الشرك فقال: عليكم بتحية أهل الجنةِ، ثم دعاهم إلى الإسلامِ فاتهموه وقالوا: واللاتِ والعُزّى لقد وقع في نفوسنا حيث لم تحلقْ رأسَكَ أنك قد صبأتَ، ونالوا منه فحلُم عنهم، وخرجوا من عنده يأتمرون كيف يصنعون به، حتى إذا طلع الفجرُ أَوفى على غُرْفَةٍ له فأذَّن بالصلاة، فرماه رجلٌ من رهطه من الأحلافِ يقال له: وهب بن جابر بسَهْمٍ، وقيل: إنّ الذي رماه أَوسُ بن عوفٍ من بني مالكٍ وهو أَثبت، وكان عروةُ من الأحلافِ فأصابَ أكحله فلم يرقأ دمُه، وحَشَد قومُه ولبسوا السلاحَ، وفعل الآخرون كذلك، فلمّا رأى عروةُ ذلك قال: لا تقتلوا بي، فإني قد تصدَّقْتُ بدمي على قاتلي لأُصلحَ بينكم، فهي كرامةٌ أكرمني الله بها، وهي الشهادةُ ساقها الله إليَّ، ثم قال: أشهدُ أن محمدًا رسولُ الله، أخبرني أنكم تقتلوني، ثم قال لرهطهِ: ادفنوني مع الشُّهداء الذين قُتِلوا مع رسول الله ﷺ قبل أن يرتحلَ عنكم، فدفنوه معهم، وبلغَ رسولَ الله ﷺ قتلُه فقال:"مَثلُ عروة مثل صاحب ياسين دعا قومه إلى الصلاة فقتلوه"(١).