للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فخرجتُ معهم حتى قدِمْتُ الشامَ.

قال عدي: فواللهِ إني لقاعدٌ في قومي إذ نظرت إلى ظعينةٍ تضرب إليّ، فقلت: ابنةُ حاتم؟! فإذا هيَ هيَ، قال: فخرجتُ، فقدِمْتُ على رسولِ الله وهو في مسجده، فسلَّمْتُ عليه فقال: "مَنِ الرجُلُ"؟ فقلت: عدي بن حاتم، فقام وانطلق بي إلى منزله، فلقيته امرأة ضعيفةٌ فاستوقفَتْه فوقف لها، فكلَّمَتهُ في حاجتها فقضاها، فقلت في نفسي: والله ما هذا بملِكٍ، ثم دخل بيته وناولني وِسادةً من أدَمٍ حَشوُها من ليف وقال: "اجلِسْ عليها" فجلست عليها وجلس هو على الأرض، فقلت في نفسي: والله ما هذا بمَلكٍ، ثم قال: "إيهِ يا عديُّ، أَلَمْ تَكُ رَكوسِيًّا"؟ قلت: بلى، قال: "أَلَم تَسِرْ في قَومِكَ بالمِرْباعِ"؟ قلت: بلى، قال: "فإن ذلك لم يك في دينك".

الركوسيون: قرية من النصارى والصابئين. والمِرْباعُ: ما يأخذُه المقدَّمُ من الغنيمة، ومعناه: أن الغنائم لم تَحِلَّ لأحد إلا لهذه الأمَّةِ.

فقلتُ في نفسي: هذا نبيٌّ مرسلٌ يعلم ما نجهل، فقال: "لعلَّه إنما يمنعُكَ مِن الدُّخولِ في هذا الدِّينِ ما تَرَى من حَاجَتِهم، فَواللهِ لَيوشِكُ أن يَفيضَ المالُ فيهم، حتى لا يُوْجَدَ من يأخُذُهُ، [ولعلَّك إنما يمنعُكَ ما ترى مِن كَثرةِ عَدوِّهم وقلَّةِ عدَدِهم، فَوالله ليوشِكَنَّ يُسمع بالمرأةِ تخرجُ من القادسيَّةِ على بعيرِ، حتى تزورَ هذا البيت لا تخافُ] (١)، ولعلَّكَ إنما يمنعُكُ مِن الدُّخولِ فيه ما ترى من المُلكِ والسُّلطانِ، فَواللهِ لَيوشِكَنَّ أن تَسْمَع بالقُصُورِ البيضِ في أَرْضِ بابلَ قد فُتِحَتْ".

وأسلم عدي وكان يقول: قد مضت اثنتان وبقيت واحدة، رأيتُ القصورَ البيضَ قد فُتِحَتْ، ورأيت الظَّعينةَ تخرج من القادسية على بعيرها لا تخاف شيئًا حتى تأتي، وايْمُ اللهِ ليفيضَنَّ المالُ حتى لا يوجد من يأخُذُهُ (٢).

* * *


(١) ما بين معقوفين زيادة من "الطبقات".
(٢) "السيرة" ٢/ ٥٧٨ - ٥٨١، و"الطبقات" ٦/ ٢١٤ - ٢١٧، و"تاريخ الطبري" ٣/ ١١٢ - ١١٥.