للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أكثر عليه قال رسول الله : "إنَّي قد خُيِّرت، فاختَرتُ، ولو أَعلَم أنِّي إذا زِدتُ على السبعينَ غُفر له زدتُ عليها" وهو قوله تعالى: ﴿اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لَا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ﴾ [التوبة: ٨٠] فصلى عليه رسول الله وانصرف، فلم يكن إلا يسيرًا حتَّى نزل قوله تعالى: ﴿وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ﴾ الآية [التوبة: ٨٤].

[ويقال: إنه لم تزل قدماه حتَّى نزلت عليه هذه الآية فعرف رسول الله في هذه الآية المنافقين، وكان من مات لم يصل عليه].

وقال مجمع بن جارية: ما رأيت النبي أطال الوقوف على جنازة مثل ما أطال على جنازة عبد الله. وقال أنس: شهدت رجليه وقد فضلتا السرير من طوله.

وقالت أم عمارة: ما تخلف أحد من الأوس والخزرج عن جنازته، ورأيت ابنته جميلة بنت عبد الله تقول: واجبلاه، واأبتاه، ما ينهاها أحد، ولا يعيب عليها.

وقال عمرو بن أمية الضمري: لقد جهدنا أن ندنو من جنازته أو سريره، فما قدرنا عليه، غلبنا عليه المنافقون من بني قينقاع وغيرهم سعد بن حُنيف، وزيد بن اللُّصَيت، وسلامة بن الحمام، ومعاذ بن أبي عمرو (١)، ورافع بن حرملة، وداعِس، وسويد، وكانوا يظهرون الإسلام وهم أخابث المنافقين، وكانوا هم الذين يمرضونه، وكان ابنه عبد الله بن عبد الله ليس عليه شيء أثقل ولا أعظم من رؤيتهم، وكان به بطن، فكان ابنه يغلق الباب دونهم، وكان أبوه يقول: لا يليني غيرهم، ويقول لهم: أنتم أحب إلي من الماء على الظمأ، ويقولون: يا ليت أنَّا نفديك بالأرواح والأولاد والأموال، فلما وقفوا على حفرته، [ورسول الله واقف يلاحظهم ازدحموا على النزول في حفرته] وارتفعت الأصوات حتَّى أصيب أنف داعس، وجعل عبادة بن الصامت يذبُّهم، ويقول لهم: اخفضوا أصواتكم عند رسول الله فنزل في حفرته رجال من قومه أهل فضل وإسلام، ولم ينزل أحد من المنافقيق، فنزل ابنه (٢) وسعد بن عبادة، وعبادة بن الصامت، وأوس بن خَولي لما رأوا رسول الله قد حضره، وكفنه، ووقف عليه.


(١) في "المغازي": "نعمان بن أبي عامر".
(٢) في النسخ: "أبوه" والمثبت من المغازي.