للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أهلَّ، فأدرك ذلك منه أقوام، فقالوا: إنما أهلَّ حين علا شرف البيداء، وايمُ الله، لقد أوجب في مصلاه، وأهلَّ حين استقلَّت به راحلته، وأهلَّ حين علا شرف البيداء. فمن أخذ بقول ابن عباس أهلَّ حين فرغ من ركعتيه (١).

وأهدى رسول الله في حجة الوداع مئة بدنة، نحر منها بيده ثلاثين، ثم أمر عليًا، فنحر ما بقي منها، وقال: "اقسم جلالها ولحومها وجلودها بين الناس، ولا تعطين جزارًا منها شيئًا، وخذ لنا من كل بعير بضعة من لحم، ثم اجعلها في قدر واحدة حتى نأكل من لحومها، ونَحْسُوَ من مرقها" ففعل (٢).

وقال ابن عباس أيضًا: انطلق رسول الله من المدينة بعد ما ترجَّل، فادَّهن، ولبس إزارَه ورداءَه هو وأصحابه، فلم ينهَ عن شيءٍ من الأَرْدِيَة والأزرِ إلا المُزَعْفَرة التي تَردَعُ - أي تصبغ الجلد - فأصبح بذي الحُلَيفة، ثم ركب راحلته، حتى إذا استوى على البيداء أهلَّ هو وأصحابه، وقلَّد بُدْنَه، وذلك لخمس بقين من ذي القعدة، فقدم مكة لأربع خَلَون من ذي الحجة، وطاف بالبيت، وسَعى بين الصَّفا والمروة، ولم يَحِلَّ لأحد بُدْنَه، لأنه قلَّدها، ثم نزل بأعلى مكة عند الحَجُون وهو مُهِلٌّ، ولم يقرب الكعبة بعد طوافه، حتى رجع من عرفة، وأمر أصحابَه أن يطَّوَّفوا بالبيت، ويسعوا بين الصفا والمروةَ، ثم يقصِّروا رؤوسَهم، ثم يَحِلُّوا وذلكَ لِمَن لم يكن معه بَدَنةٌ قلَّدها، ومن كان معه امرأته فهي حلال له، والطيب، والثياب. أخرجاه في "الصحيحين" (٣).

وقال: جاء رسول الله إلى السقاية، فاستسقى، فقال العباس: يا فضلُ، اذهب إلى أمِّك فأْتِ رسولَ الله بشرابٍ من عندها، فقال له رسول الله : "اسْقِني" فقال: إنَّهم يضعون أيديهم فيه، فقال: "اسْقِني"، فشرب منه، ثم أتى زمزمَ، فهم يستقون ويعملون فيها، فقال: "اعْمَلُوا فإنَّكُم على عَمَلٍ صالِحٍ"، فقال: "لولا أن يُغلَبُوا لَنزَلتُ حتى أضَعَ الحَبلَ على عاتِقي، أو على هذه" يعني عاتقه. انفرد بإخراجه البخاري (٤).


(١) أخرجه أحمد في "مسنده" (٢٣٥٨).
(٢) أخرجه أحمد (٢٣٥٩)، وانظر "المغازي" ٣/ ١١٠٨.
(٣) أخرجه البخاري (١٥٤٥) وهو من أفراده انظر "الجمع بين الصحيحين" (١٠٩٢).
(٤) أخرجه البخاري (١٦٣٥) من حديث ابن عباس .