للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قلت: وقد أشار محمد إلى هذا في "الجامع الصغير" بقوله: ولا بأس بالإذن في صلاة الجنازة (١). وهي من خواص "الجامع الصغير". وفي بعض النسخ: ولا بأس بالآذان، أي الإعلام بأن يُعلم بعض الناس بعضًا ليحضر إخوان الميت فيقضوا حقه، ولم يرد به في النداء في الأسواق لأنه فعل الجاهلية، نهى رسول الله عن النعي (٢)، لأن أهل الجاهلية كانوا ينعون موتاهم ويتكلمون بالكذب في مدح أهاليهم، فنهاهم عن ذلك.

وقد اختلف السلف في الإعلام بالجنائز:

فرخص فيه ابن عمر وأبو هريرة وأنس، وروي أنه لما مات رافع بن خديج قال ابن عمر: كيف تريدون أن تصنعوا به؟ قالوا: نحبسه حتى نرسل إلى قباء وإلى قريات حول المدينة ليشهدوا جنازته، فقال: نعم ما رأيتم (٣).

وكره ذلك ابن مسعود وعلقمة والربيع بن خثيم، فإنهم قالوا عند الموت: لا تؤذنوا بموتنا أحدًا (٤).

والصحيح: أنه لا بأس به، وإنما المكروه النداء في الأسواق وهو فعل الجاهلية. وقد أشار إليه في "المحيط" فقال: لا بأس بالنداء لتكثير الجماعةِ والمستغفرين للميت وتحريض الناس على الطاعة وحثّهم على الاستعداد لمثله، وإنما المكروه فعل الجاهلية.

وقال ابن منصور: يجوز النداء في الأسواق إذا كان الميت محتشمًا مثل الأئمة والصالحين، وقد ثبت أن النبي نعى النجاشي في اليوم الذي مات فيه وخرج إلى المصلى وقد ذكرناه].

* * *


(١) "الجامع الصغير" ص ١١٦.
(٢) أخرجه أحمد في "مسنده" (٢٣٢٧٠) من حديث حذيفة .
(٣) أورده ابن عبد البر في "التمهيد" ٦/ ٣٢٧.
(٤) أخرج أقوال الثلاثة ابن أبي شيبة في "مصنفه" ٢/ ٤٧٥.