دواءً، إلَّا داءً واحدًا" قالوا: وما هو يا رسولَ الله؟ قال "الهرمُ" (١).
وقد اشتمل هذا الحديث على فوائد:
منها: أن الطبَّ تعليم أم قياس؟ اختلفَ الأوائل فيه، فقالت الصابئة: إن شيث بن آدم أول من أظهره، وأنه ورثه عن أبيه آدم، وظاهر قوله تعالى: ﴿وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا﴾ [البقرة: ٣١] يدل عليه، وقال بعضهم: إن الهند استخرجته، وقال بقراط وجماعة من الأوائل: هو إلهام من الله ﷿، وقال بعضهم: بل حصل بالتجربة، والظاهر أن أصله من تعليم الله ووحيه وبعضه من إلهامه، ثم أضاف الناسُ إليه التجاربَ والقياسَ.
وقال أبو سليمان الخطابي: الطب قسمان:
قسم يسمونه: القياسي، وهو طب اليونانيين؛ بقراط وجالينوس ومن سلك طريقهما، وهو مذهب عامة الأطباء.
والقسم الآخر: طب التجارب، وهو مذهب الهند وكثير من العرب، وهؤلاء يستعملون القياس ولا يعتبرون الأصول، وإنما يَعتمدون مجرد الامتحان والتجربة في آحاد الأعيان، ويحتجون بأن لبعض الطباع خاصية ليست لغيرها، وللعادات تأثيرًا في الطباع، وفي الأهوية والبلدان اختلاف كثير يتغير باختلافهما بعض الأحكام، والقياس يستمر على وصف مطَّرد لا يختلف.
ومنها: بيان فضيلة علم الطب وموافقته للشرع والعقل، لا خلاف أن الآدمي أفضل المخلوقات وأشرف الموجودات، وأن الله سبحانه شرفه بالعقل وأدواته، وبه توجه إليه الخطاب حتى عَرف الصانع بمصنوعاته، وأن جسدَه كالمركب، ومن الواجبِ حراسته لبقاء الراكب ليقطع ما قدِّر له من المسافة في بيداء الدنيا، ومن المعلوم أن البدنَ مركَّب من أمزجة مختلفة وأضداد متباينة، وقوامه بتعديل مزاجه، ومتى اعتدل حصلت له الصحة والعافية، وحصول العافية إنما يكون بشيئين: باعتدال البدن، وبما يصدر من الصحة عنه، والثاني: بإخراج الفضول المؤذية منه، وإذا ثبت هذا فالصحة والعافية من
(١) أخرجه الترمذي (٢٠٣٨)، وأحمد في "مسنده" (١٨٤٥٤).