للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ربَّي، فيُؤذَنُ لي، فأقوم بينَ يديهِ، فأحمَدُه بمحامدَ لا أقدرُ عليها إلَّا أن يُلهِمَنِيها اللهُ تعالى، ثم أَخِرُّ لربَّي ساجدًا، فيدَعُني ما شاءَ الله، ثم يقولُ: يا محمدُ، ارفَعْ رَأسَكَ، وسَلْ تُعطَه، وقُل يُسمَعْ، واشفَعْ تُشفَّعْ، فأَرفَعُ رَأسِي، وأحمَدُ ربَّي بتحميدٍ يُعلِّمنيه، ثم أشفعُ، فيحُدُّ لي حدًّا، فأُخرِجُهم من النارِ وأُدخلُهم الجنةَ، فأقول: يا ربِّ، ما بقيَ في النارِ إلَّا مَن حبَسَه القرآنُ، أي وجبَ عليه الخلودُ، وأقول: يا ربِّ أمَّتي أمتي، فيقال لي: انطَلِق، فمن كان في قلبهِ مثقالُ حبَّةِ خَردَلٍ من إيمانٍ فأُخرِجه منها".

قال معبد: فخرجنا من عند أنس، فدخلنا على الحسنِ وهو مستخفٍ في دارِ أبي خليفةَ، فسلمنا عليه، وقلنا: يا أبا سعيدٍ جئنا من عند أخيك أبي حمزةَ، فحدثنا بحديث الشفاعة، فقال: هِيهِ، فحدثناه الحديثَ، فقال: لقد تركَ شيئًا ما أَدري أَنسي الشيخُ أم كَرِه أن يحدِّثكم به، فتَتَّكلوا، ولقد حدثنا به منذ عشرين سنةً وهو يومئذ جميعٌ، أي: شاب مجتمع، فقلنا: حدِّثنا، فقال: "ثم أَرجعُ إلى ربِّي فأحمَدُه بتلكَ المحامدِ، وأَخِرُّ ساجدًا، وأقول: يا ربِّ إيذن لي فيمَن قال: لا إِلَه إلا اللهُ، فيقال: ليس لك ذلك، ولكنْ وعزَّتي وجلالي، وكبريائي وعظمتي؛ لأخرجنَّ منها من قال: لا إله إلا الله". أخرجاه في "الصحيحين" (١).

وفي "الصحيحين" أيضًا عن أنسٍ، عن النبيّ قال: "لكلِّ نبيًّ دعوةٌ دَعا بها لأمَّته، وإنِّي اخْتَبأتُ دعوتي شَفاعتي لأمَّتي يومَ القيامةِ" (٢).

ولمسلم، عنه: "ولم يُصدَّق نبيٌّ ما صُدِّقتُ، وإنَّ من الأنبياء نبيًّا ما صدَّقَه من أمَّتِه إلاَّ رجلٌ واحدٌ" (٣).

وللبخاري، عن ابن عمر، عن النبيِّ : "إنَّ الناسَ يصيرونَ يوم القيامةِ جُثًا، كلُّ أُمَّةٍ تَتْبَعُ نَبيَّها، يَقولُونَ: اشفَع لنا، حتى تنتهي الشفاعةُ إليَّ، فذلك المقامُ المحمود" (٤).

[و"الجثا": الجماعات، الواحدة جثوة، والمقام المحمود: الشفاعة].

وقال ابن عباس: يوضع لرسول الله منبر فيرتقيه، ويُثني على الله ثناءً لم تَسمعِ


(١) أخرجه أحمد في "مسنده" (١٢١٥٣)، والبخاري (٧٥١٠)، ومسلم (١٩٣)، وما بين معكوفين من (ك)
(٢) أخرجه البخاري (٦٣٠٥)، ومسلم (٢٠٠).
(٣) أخرجه مسلم (١٩٦).
(٤) أخرجه البخاري (٤٧١٨).