للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فضربه الأنصاري على رأسه بالسيف، وزَرقه وحشيّ بحربته فقُتل، وكان عبد الله بن عمر حاضرًا قال: فسمعتُ امرأةً تَصرخ على ظهر جدار تقول: وانَبيّاه، قتله العبد الأسود، وكان وحشيّ يقول وربُّك أعلمُ أيّنا قتلَه. ومرّ رجلٌ من بني حنيفة فرآه مقتولًا، فقال: أشهد أنك نبيٌّ، ولكنْ نبيٌّ شَقيّ، ثم قال [من مجزوء الكامل]

لهفي عليك أبا ثُمامهْ … لهفي على رُكْنَيْ شمامَهْ

كم آيةٍ لك فيهم … كالشمس تَطلعُ في غَمامَهْ (١)

وكان مسيلمة قد خَفي عليهم في القَتلى فلم يَعرفوه، فأرسل خالد، فجيء بمُجَّاعة يَرسُف في قُيوده، فأخذ مُجَّاعة يَكشف عن القتلى، فمر بمُحَكّم اليمامة، وكان رجلًا جَسيمًا وَسيمًا، فقال خالد: هذا صاحبُكم؟ قال مُجَّاعة: لا والله، هذا خيرٌ منه وأكرم، هذا مُحكّم اليمامة، ثم مر بالرَّجَّال، فقال: هذا الرَّجَّال، حتى مر برجل أُصَيفر أُخَيْنِس، فقال مُجّاعة: هذا مسيلمة، فقال خالد: هذا الذي فعل بكم الأفاعيل؟ فقال مُجَّاعة: يا خالد قد كان ذلك، وإنه والله ما جاءكم إلا سَرَعَان الناس، وإن جَماهيرهم لفي الحصون، فقالها لرجل قد نهكته الحرب وأصيب معه أشراف الناس، فقال: ويحك ما تقول؟ فقال: والله إنه الحق، فهَلمَّ لأُصالحك على قومي، فدعني أذهب إليهم، وأشير عليهم بالصُّلح، فقال: اذهب على عهد الله، فذهب، فدخل الحصون، وأمرَ النساء بلُبسِ السِّلاح، وكَثّر السَّواد، فأشرفوا من الحصون، فظنّهم خالد رجالًا، فصالحه على الرّبع من السّبي والحمراء والصَّفراء والحَلْقة، وكان عامَّةُ القراء قد قُتلوا، فصالح خوفًا على الباقين، ثم قيل لخالد بعد ذلك: خدعك مُجَّاعة، فقال: يا مُجَّاعة خَدعتَني؟ فقال: قومي هم، أفنيتَهم فلا تَلُمْني.

وقال سيف: كان خالد بن الوليد قد سمع رسول الله يقول: "إن لمُسيلمة شيطانًا [لا يعصيه]، فإذا اعتراه شيطانُه أَزْبَدَ، فلا يَهُمُّ بخيرٍ إلا صرفَه عنه أو عدلَه عنه، فإذا رأيتم منه غِرَّة فلا تُقِيلوه العَثْرة" (٢) فلما كان يومُ اليمامة جعل خالد يدنو منه يطلب غِرَّتَه، فرآه ثابتًا ورَحاهم تدورُ عليه، وعلم أنها لا تزولُ إلا بزواله، فنادى خالد مسيلمة


(١) المعارف ٤٠٥، والبدء والتاريخ ٥/ ١٦٣.
(٢) أخرجه الطبري ٣/ ٢٩٣، وانظر البداية والنهاية ٩/ ٤٦٩.