جعل لهم أبو بكر، ودعاهم إلى الإسلام، فأجابه فِئامٌ من الناس.
فكان يُغير على السَّواد ومما والاه، فيما بين الطَّفِّ إلى قَنطرة النهرين، حتى أحجزهم فى الجَواسق والحصون، فأخذ أموالًا كثيرة، وسبى سَبْيا عظيمًا، وقتل الأساورة والأكاسرة، وألحق أهلَ المسالح بالحيرة، وخَلُّوا له المناظر.
فأقام المثنّى بعد فراق أبي بكر حولًا على ذلك، ثم بعث أخاه مسعود بن حارثة إلى أبي بكر يَطلب منه أن يُمِدَّه، فإن في ذلك إعزازَ الإسلام وذلَّ الكفّار، فإن العجم قد خافتنا، وجاءت كتُبهم تَطلب الصُّلح، فقال له عمر: يا خليفة رسول الله، ابعث إليهم خالد بن الوليد، فيطأ العراق مع المثنى، ويكون قريبًا منا، فإن احتاج إليه أهلُ الشام كان قريبًا منهم، وإن ألحَّ على العراق حتى يَفتحه كان زيادةَ خيرٍ، فقال أبو بكر لعمر: قد أَصبتَ ووُفِّقتَ وأحسنتَ الرَّأي، فكتب إلى خالد وهو باليمامة أن سِرْ إلى العراق بمَن معك من المهاجرين والأنصار والقبائل، والكتاب:
من عبد الله أبي بكر خليفة رسول الله ﷺ، إلى خالد بن الوليد ومَن معه من المهاجرين والأنصار والتابعين لهم بإحسان، سلامٌ عليكم، أما بعد، فإني أَحمد إليكم الله الذي لا إله إلا هو، أما بعد، فالحمد لله الذي أنجز وَعدَه، ونصر دينَه وأعزَّه، وأذلَّ عَدوَّه، وغلب الأحزاب، ﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ﴾ [النور: ٥٥] وعدًا منه لا خُلْفَ فيه، ومقالةً لا ريبَ فيها. وقال تعالى ﴿كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ﴾ [البقرة: ٢١٦] فاستتموا موعود الله إياكم، وأطيعوه فيما فُرض عليكم، [وارغبوا في الجهاد] وإن عَظُمت فيه المؤونة، واشتدت الرَّزِيّة، وبَعُدت الشُّقَّة، فإن ثوابَ الله أعظم، ﴿انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا﴾ الآية [التوبة: ٤١]. وقد أَمرتُ خالد بن الوليد بالمسير إلى العراق، فلا يَبرحْها حتى ياتيه أمري، فسِيروا معه، ولا تتثاقلوا عنه، فإنه سَبيلٌ يُعظم الله فيه الأجرَ لمَن حَسُنت فيه نيَّتُه، وعَظُمت في الخير رغبتُه، كفانا الله وإيّاكم مُهمّات الدنيا والآخرة، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته (١).