للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ثم قال جدي: في إسناده محمَّد بنُ إسحاق وعليُّ بن عاصم، فأما ابن إسحاقٍ فكذَّبه مالك، وأما عليُّ بن عاصمٍ فكذَّبه يزيد بن هارون. قال جدي: والغُسْل إنما شرع لحَدَث الموت، فكيف يقعُ قبله؟ ثم قال: وقد احتجَّ أحمدُ والشافعيُّ في جواز غَسْلِ الرجل زوجته بأن عليًّا غَسَّل فاطمة (١).

والجواب: أما محمَّد بن إسحاق فقد وثَّقه أحمد بنُ حنبل وعامّةُ العلماء، وأخذوا عنه المغازي والسِّير وغيرهما، وكلامُ مالكٍ فيه فلغرضٍ نذكره في ترجمة ابن إسحاق (٢).

وقولُه: الغُسْل للحديث بعد الموت، قلنا: يحتمل أنها كانت مخصوصةً بذلك لئلا يطَّلع عليها أحدٌ.

وأما قولُه: إن عليًا غَسَّل فاطمة، فهذا موضعُ الخلاف، فإنَّ عند أبي حنيفة ومالك: لا يحلُّ للرَّجل أن يُغسِّل زوجتَه لانقطاع الزوجية بينهما من وجهٍ (٣)، وقد ذكرنا هذا في سيرة رسول الله . وأما غسل عليًّ فاطمة فقد منعناه، ولو سَلِم فقد رُوي أن ابن مسعودٍ قال لعلي: غَسَّلت فاطمة؟ فقال: أما علمت أن رسول الله أخبرني أنها زوجتي في الدنيا والآخرة. فدلَّ على أن الزَّوجيَّة باقيةٌ بينهما.

ولما غُسّلت حُمِلت على نَعْشٍ، قال ابن سعد: وهي أول من حُمِل عليه، ورواه ابن عباسٍ قال: فاطمة أوّلُ من جُعل لها النَّعشُ في المدينة، عملتْه لها أسماءُ بنت عُمَيْسٍ، وكانت قد رأتْه بأرض الحبشة (٤).

وفي رواية ابن الكلبي أنها لما اشتدَّ بها المرضُ قالت لأسماء: يا أُمّاه، أُحمَلُ على سرير يراني الناس!؟ فقالت لها: أَصنعُ لك كما كنا نَصنع بالحبشة، فعَمَدت إلى أعوادٍ فقطعتها، ثم عَملتها نَعشًا على السرير، فكان عمر بن الخطاب إذا رآه بعد ذلك


(١) الموضوعات (١٨٤٢)، والعلل المتناهية (٤١٩).
(٢) انظر تهذيب الكمال وفروعه.
(٣) انظر المغني لابن قدامة ٣/ ٤٦١.
(٤) طبقات ابن سعد ٨/ ٢٨.