للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ير الراؤون مثلها؛ منهم ثمانون ألفًا مقرَّنون في السلاسل، والرجّالة وكانوا مئةً وخمسين ألفًا حولهم مثل الخنادق، والقسس والرُّهْبانُ والشمامِسة والأساقِفَةُ بين أيديهم قد نَشروا الأناجيل، والصُّلْبانُ في أعناقهم، وهم يُحرِّضونهم على القتال، فشاهد المسلمون أمرًا لم يُشاهدوا مثلَه، وهالهم ذلك، وكان في أول جُمادى الأولى.

فقام خالدُ بن الوليد في الناس وقال: هذا يوم من أيام اللَّه تعالى. لا ينبغي فيه الجبنُ والعجزُ والفَشَلُ، أَخْلِصوا للَّه تعالى جهادَكم، وأريدوا وجهه بعملكم وعندي رأي، قالوا: وما هو؟

قال: نقسم الإمارة بيننا، واحدٌ اليوم، وواحد غدًا، وواحد بعد غد، فإنا إن أَلجأناهم إلى الخنادق اليوم لم نزل ظاهرين عليهم أبدًا، وإن هزمونا اليوم لم نُفْلح أبدًا. قالوا: فافعل.

فقال: أنا اليوم أميرُكم.

فأمَّروه عليهم فكردس الخيل ستة وأربعين كُردوسا (١)، وجعل أبا عبيدة في القلبِ، وعمرو بن العاص في الميمنة، ويزيد بن أبي سفيان في الميسرة، وفي الجناح الواحد شُرَحْبيل بن حسنة وفي الآخر القعقاع بن عمرو، وفرق الأمراء على الكراديس مثل الزبير بن العوام، وعكرمة بن أبي جهل، وعياض بن غَنْم، وهاشم بن عتبة، وعبد الرحمن بن خالد، وصفوان بن أُمية، ومعاوية بن خُدَيْج، وعبد اللَّه بن قيس، وعمرو بن عَبَسة، وزياد بن حنظلة، ودِحْية بن خليفة، وسعيد بن خالد، وحبيب بن مسلمة، وأبو الأعور السُّلَمي، وابن ذي الخِمار.

وقال جدي في المنتظم (٢): وجعل ذا الكلاع على كردوس. وهو وهم، لما ذكرنا أن ذا الكلاع أسلم في أيام عمر، وسنذكره.

وكان القاضي على العسكر أبو الدرداء، وكان الواعظ والمحرِّضَ أبو سفيان بن حرب، وكان يقف على الكراديس ويقول: اللَّه اللَّه، أنتم أنصَارُ الدين، وهذا يوم من


(١) في الطبري ٣/ ٣٩٦، والمنتظم ٤/ ١١٨: ستة وثلاثين كردوسًا إلى أربعين.
(٢) في ٤/ ١١٩.