قال: فمن لم يُجِبكم إلى ذلك؟ قال فالجِزيةُ. قال: فمن لم يُؤدِّها؟ قال: نُؤذِنُهُ بحربٍ ثم نُقاتِله. قال: فما منزلةُ مَن أجابكم إلى هذا الأمر اليوم؟ قال: منزلتُنا. قال: فهل لمن دخل فيه اليوم مثل مالكم من الأجر؟ قال: نعم وأفضلُ. قال: فكيف يُساويكم وقد سبقتُموه؟ قال: لأنا دخلنا في هذا الأمر ونبيُّنا ﷺ حيٌّ بين أظهُرنا، يأتيه خَبرُ السماء، وحُقَّ لمن رأى ما رأينا أن يُبايعَ ويُسلمَ، وإنكم أنتم لم تروا ما رأينا ولم تسمعوا ما سمعنا من العجائب، وما ظهر لنبينا من المعجزات، فمَن دخل في هذا الدين كان على بينةٍ من ربه وهُدى فكان أفْضلَ.
فقال: صدقتَني، وقلب التّرس، ومال مع خالد وقال: علِّمني الإِسلام، فمال به خالد إلى فُسطاطِه فشنَّ عليه ماءً، ثم أسلم وصلَّى ركعتين.
وحملتِ الرومُ على المسلمين لما شاهدوا ذلك حَمْلةً مُنكَرةً فأزالوا المسلمين عن مواقفهم إلا المحامية، [عليهم] عكرمةُ بنُ أبي جهل والحارث بن هشام وغيرهما.
وركب خالد وجَرجة، فتراجعت الرومُ إلى مواقفها، فزحف خالدٌ ومعه جرجة والمسلمون، فما زالوا يضربونهم بالسيوف من لدن ارتفاع النهار إلى أن جَنحتِ الشمسُ للغُروب، ثم أُصيب جَرَجَةُ، ولم يكن سجد للَّه تعالى إلا الركعتين اللتين أسلم عليهما. -ويقال: إن ماهان بعث جَرَجَة رسولًا إلى خالدٍ، فلما، شاهد أحوال المسلمين أسلم- وصلى الناس الظُّهْرَ والعصر بالإيماءِ، ومال خالد عليهم بالقَلْب، فتفرَّقت خيولهم، وعدل نحو الرَّجَّالةِ فأبانهم، واقتحم خنادقهم، فاقتحموا الواقُوصَةَ خَوْفًا من القتل، فتردّى فيها المقرَّنون في السلاسل بأسرهم، وهلك معهم أربعون ألفًا، فكان جملةُ الهالكين عشرين ومئة ألف، ثمانون ألف مقيّدٍ، وأربعون ألف مطلقٍ، سوى من قُتل في المعركة من الفرسان والرَّجَّالة، وتجلَّل الفيقارُ نائبُ الملك وأشراف الرومِ بَرانِسَهم، وجلسوا وقالوا: لا نُحِبُّ أن نرى يومَ السوء بالنَّصْرانية (١)، فقُتلوا في تزمُّلِهم.
(١) في الطبري ٣/ ٤٠٠، والمنتظم ٤/ ١٢٢: لا نحب أن نرى يوم السوء إذ لم نستطع أن نرى يوم السرور، وإذ لم نستطع أن نمنع النصرانية.