للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مُسرعًا، حتى وقف على باب البيت الذي فيه أبو بكرٍ وقال:

رحمك اللَّه يا أبا بكرٍ، فلقد كُنتَ إِلْفَ رسول اللَّه، وأنيسَه، وثقتَه، وموضعَ سرِّه، ومشاورَه، وكنتَ أوّلَ القوم إسلامًا، وأخلصَهم إيمانًا، وأشدَّهم يقينًا، وأخوفهم للَّه، وأعظمَهم غناءً في دين اللَّه، وأحوَطَهم على رسول اللَّه ، وأحدَبَهم على الإِسلام، وأحسنَهم صُحبةً، وأكثرَهم مناقبَ، وأفضلَهم سَوابقَ، وأرفعَهم درجةً، وأقربَهم وسيلةً، وأشبَههم هَدْيًا وسَمْتًا برسول اللَّه ، وأشرفَهم منزلةً، وأرفعَهم عنده، وأكرمَهم عليه، فجزاك اللَّه عن رسول اللَّه وعن الإِسلام أفضل الجزاء.

صَدَّقتَ رسول اللَّه حين كذَّبَه الناس، وكنت عنده بمنزلةِ السَّمعِ والبصر، سَمَّاك اللَّه في تنزيله صِدِّيقًا فقال: ﴿وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ﴾ [الزمر: ٣٣] (١).

آسيته حين بَخِلوا، وقمتَ معه في المكاره حين قَعدوا، وصحِبتَه في الشدَّة أكرمَ الصُّحبة، ثاني اثنين إذ هما في الغار، وأنت المنزل عليه السكينة، ورفيقُه في الهجرة، وخليفتُه في دين اللَّه. قُمتَ حين ارتدُّوا بما لم يَقُمْ به خليفةُ نبيٍّ، ونهضتَ حين وَهَن أصحابُه، وبَرزْتَ حين استكانوا، وقويتَ حين ضَعُفوا، ولزِمتَ منهاج رسول اللَّه إذ جبنوا ووَهنوا، فكنت خليفتَه حقًا، لن تنازع ولن تضارع برغم المنافقين وبكَبْتِ الحاسدين.

قمتَ بالأمر حين قَعدوا، فاتَّبعوك فهدوا، وكنتَ أخفَضَهم صوتًا، وأعلاهم فوقًا، وأقلَّهم كلامًا، وأصدقَهم منطقًا، وأبلغَهم قولًا، وأكرمَهم رأيًا، وأشجعَهم نفسًا، وأشرفهم عملًا، كنتَ واللَّه للدين يعسوبًا، أولًا حين نفر الناس عنه، وآخرًا حين أقبلوا، كنت للمؤمنين أبًا رحيمًا حين صاروا عليك عيالًا، حَملت أثقالَ ما عنه ضَعُفوا، ورعيتَ ما أهملوا، وعلمتَ ما جهلوا، وشَمَّرت إذ ظلعوا، وصَبرتَ إذ جَزِعوا، وأدركتَ أوتار ما طلبوا، وراجعوا برأيك رُشْدَهم، فظَفِروا، ونالوا بك ما لم يحتسبوا.

كنتَ واللَّه على الكافرين عذابًا صَيِّبًا ولهبًا، وللمؤمنين رحمةً وأنسًا وحصنًا،


(١) بعدها في (ك): من كلام طويل، واختصر بذلك الخطبة.