للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأما حديثُ أبي هريرة: فقال أحمد بن حنبل: حدثنا سُريج بن يونس بإسناده عن أبي هريرة قال: بينا نحن عند رسول الله إذ مرت سحابة فقال: "أتَدْرون ما هذه؟ " قلنا: الله ورسوله أعلم (١)، قال: "الرَّقيع موج مَكفوفٌ وسَقفٌ مَحفُوظٌ، أَتدرونَ كم بينها وبينكم"؟ قلنا: الله ورسوله أعلم. ثم ذكر السماوات والأرض وعدَّ ما بين كلِّ واحدة خمس مئة عام، بمعنى حديث أبي ذرٍّ، وقال في آخره: "ولو حَفَرتُم لصَاحِبِكم ودَلَّيتُمُوه بحبلٍ إلى الأرض السابعةِ لَهَبطَ على اللهِ، ثم قرأ رسولُ الله : ﴿هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ﴾ [الحديد: ٣] (٢).

قلت: ليس في هذه الأخبار حديث سالم من الطعن، أما الحديثُ الأول وهو حديث العباس، فإن في طريقه يحيى بن العلاء كذّاب، كذَّبه أحمد بن حنبل ويحيى بن معين وغيرهما، وفيه لفظ الفوقية، وقد فسَّرها أبو سليمان الخطّابي فقال: معنى الفوقية القهر والغلبة.

وأما حديث أبي ذر فقال جدي في "الواهية" أيضًا: هذا حديث منكر، وكان الأعمش يروي عن الضعفاء ويدلِّسُ.

قال: وأما حديث أبي هريرة فلا يصحُّ عن رسول ، والحَسَنُ لم يسمعْ من أبي هريرة، وقيل للحسن: من أين تروي هذه الأحاديث؟ فقال: من كتاب عندنا سمعناه من رجل، وكان الحسن يروي عن الضعفاء. وقال أحمد بن حنبل: قد رواه أبو جعفر الرازي عن قتادة، وأبو جعفر الرازي مضطرب.

قال: ومقتضى حديث العباس أن الأرض تكون كذلك في الكثافة والبعد، والدليل عليه قوله تعالى: ﴿اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ﴾ [الطلاق: ١٢] فيكون مسافة الجميع أربعةَ عشر ألف سنة سوى ما في السماوات من الحجب والكرسي والعرش.

قال الخطابي: وهذا على مقدار سير بني آدم، أما المَلك فإنه يخرقُ الجميعَ في


(١) بعدها في "المسند": "قال: العَنان، وروايا الأرض، يسوقه الله إلى من لا يشكره من عباده ولا يدعونه، أتدرون ما هذه فوقكم؟ " قلنا الله ورسوله أعلم".
(٢) أخرجه أحمد في "مسنده" (٨٨٢٨)، وابن الجوزي في "العلل المتناهية" (٨).