للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أما ابنُ عمي فهو الذي هجاني وقال ما قال، وأما ابن عمتي فهو القائل: ﴿لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعًا﴾ [الإسراء: ٩٠].

قال: ونظر إليّ عمر بن الخطاب، فأغرى بي رجلًا من الأنصار، يقال له نعمان بن الحارث، قال لي: يَا عدوَّ اللَّه، أَنْتَ الذي كنتَ تُؤذي رسولَ اللَّه وأصحابَه، واستطال عليَّ حتى جعلني مثلَ الحَرَجَة (١)، والناسُ يُسرُّون بما يفعل بي، فدخلتُ على العباس، فقلتُ: يَا عمّ، قد كنتُ أرجو أن يَفرح رسول اللَّه بإسلامي؛ لقَرابتي منه، وشرفي في قومي، وقد كان منه ما رأيتَ، فكلّمه فيّ ليَرضى عني، فقال: لا واللَّه لا أُكلِّمه فيك أبدًا بعد ما رأيتُ منه ما رأيت، إلَّا أن أرى وجهًا، إني أُجِلُّ رسول اللَّه وأهابُه، قلت: فكُفَّ عني الرَّجل، فأرسل إليه: يَا نُعَيمان، إن أَبا سفيان ابنُ عمّ رسول اللَّه وابن أخي، وإن يكن ساخطًا عليه فسَيرضى عنه، فكُفَّ عنه. قال: فبعد لأي ما كفَّ عني.

ولزمتُ بابَ رسول اللَّه وهو يُعرض عنّي، فلم أزل كذلك حتى فتح مكة، وأنا لا أُفارقُه، ودخل عليه نساءُ بني عبد المطلب فرَقَّقْنَه عليَّ وقلن: برّك وعطفك، فنظر إليَّ نظرًا هو أَلينُ من ذلك، حتى خرج إلى هوازن وخرجتُ معه.

فلما لَقيناهم حملوا الحملةَ التي قال اللَّه تعالى فيها: ﴿ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ﴾ [التوبة: ٢٥].

وثبت رسول اللَّه على بغلته المثل هباء، فاقتحمتُ عن فرسي، وبيدي السَّيف صَلْتًا قد كسرتُ جَفْنَه، واللَّه يَعلم أني أُريد الموتَ دونه، وهو ينظر إليّ، وقد أخذ العباس بلجام بَغلته، وأَخذتُ بالجانب الآخر، فقال للعباس: "مَن هذا؟ " قال: أخوك وابنُ عمك أبو سفيان، فقال: "أخي لعَمري"، فقال: يَا رسول اللَّه، ارضَ عنه، فقال: "قد فعلت"، قال: فأُقبِّلُ رجلَه في الرِّكاب، ثم هزم اللَّه القوم (٢).

وحَسُن إسلامُ أبي سفيان، وهاجر إلى المدينة، وأقام بها ملازمًا للمسجد، ناسكًا زاهدًا، وكان أول داخل إلى المسجد وآخر خارج، وأقام لا يرفع طَرفه إلى النبي


(١) الشجر الملتف.
(٢) مغازي الواقدي ٨٠٦ - ٨١٠، وطبقات ابن سعد ٤/ ٤٦، والمعارف ١٢٦، والاستيعاب (٢٩٦٥)، والتبيين ١٠٥، والتوابين ١٣٠ - ١٣٤، والإصابة ٤/ ٩٠.