للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأقام سعد بالكوفة يَشنُّ الغارات بعد وَقعة القادسية، وله مع الفرس وقائع إلى أن دخلت هذه السنة، فكتب عمر بن الخطاب رضوان اللَّه عليه إلى سعد : سِرْ إلى المدائن، واجعل مع نساء المسلمين وعِيالهم مَن يحرسهم من العدو، واجعل لهم نَصيبًا من المغنم، ففعل سعد ذلك، وسار إلى بابل، فلقي جُموعًا من الفُرس فهزمهم، وكان مسيره من الكوفة في شوال، ونزل ببابل، وجاء إلى كُوثى في المكان الذي حبس فيه الخليل ، فصلَّى فيه، وقدَّم بين يديه زَهرة بن الحويّة إلى بَهُرَسِير، فَبَيْنَا زَهرة يسير إذ لَقيه شيرزاد بالصَّلح، وكان شيرزاد نائبَ يَزدجرد فبعث به إلى سعد، وجاء سعد فنزل على بَهُرَسِير وقد خندقت الفُرس، ونصبوا المناجيق وآلة القتال (١).

ولما سار سعدٌ من الكوفة إلى بَهُرَسير أغار ما بين الفُرات ودجلة، فأصاب مئةَ ألف دِهقان أو أَكَّار، فاستشار المسلمين فيهم فقالوا: شاوِرْ أميرَ المؤمنين، فكتب إلى عمر بسببهم فكتب إليه: إن البلاد بأهلها، وإن لم يُعينوا عليكم فدعوهم وشأنَهم، ومَن هرب منهم إلى القوس فلا عهدَ له. فأطلقهم سعدٌ، وجاء فنزل على بَهُرَسير، وقد تحصَّنت الفُرسُ منه، فنصب عليهم سعدٌ عشرين منجنيقًا والعرّاداتِ، وقاتلهم أشدَّ قتالٍ، ومنعهم الميرة، وشُغِل عنهم أهلُ المدينة الشَّرقية بما هم فيه من الخوف، حتى أكلوا لحوم الكلاب والقِطاط.

وقُتل زَهرةُ بن الحَوِيَّة بعد أن قتل شيرزاد (٢)، وقيل إنه لم يُقتل وإنما قتل شيرزاد. فبينما هم كذلك إذ بعث إليهم يَزدَجرد رسولًا، فأَشرف عليهم وقال: الملكُ يقول لكم: هل لكم في الصُّلح، على أنّ لنا ما يَلينا من دجلة إلى المشرق والجبل، ولكم ما يليكم من دجلة إلى الحجاز؟ فبدر النَّاسَ أبو مُفَزِّر الأسودُ بن قطبة، فأجابه بكلمةٍ أنطقه اللَّه بها، لم يدر ما قال ولم يفهمها النَّاسُ، فنزل الرسول إلى البلد، فقيل للأسودِ: ما قلتَ؟ فقال: واللَّه ما أدري، وإنما هي كلمات أجراها اللَّه على لساني.

وشرع أهلَ بهُرَسير يَقطعون دِجلة في السفن إلى المدينةِ الشرقيةِ، واستأمن رجلٌ


(١) من وقوله: وأقام سعد بالكوفة. . إلى هنا ليس في (ك).
(٢) في الطبري ٤/ ٦، والمنتظم ٤/ ٢٠٤: فضرب بسيفه شهربراز من أهل إصطخر فقتله.