الحجِّ، ولا متى تحِلُّ دُيونهم؛ فنَظَرَ الله تعالى لعبادِه، فأرسَلَ جبريلَ فأَمَرَّ جناحَه على وَجْه القَمَر فَطَمسَ عنه الضَّوءَ وبقيَ فيه النُّورُ، فذلك قوله تعالى: ﴿وَجَعَلْنَا اللَّيلَ وَالنَّهَارَ آيَتَينِ﴾ [الإسراء: ١٢] فالسوادُ الذي ترونه في القمر شبهُ الخطوطِ فهو أثر المحْو.
قال: ثم خَلَق اللهُ للشمسِ عَجَلةً من نورِ العرشِ لها ثلاث مئة وسِتون عُرْوَة، ووكَّل بالشَّمسِ وعَجَلَتِها ثلاث مئة وستين مَلَكًا، قد تَعَلَّق كلُّ واحدٍ منهم بعُروةٍ، وخَلَق للقَمَرِ أيضًا كذلك، وخَلَق لهما مشارقَ ومغاربَ ثمانين ومئة عينٍ في المغرب طينةً سوداءَ فذلك قوله: ﴿وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَينٍ حَمِئَةٍ﴾ [الكهف: ٨٦][وثمانين ومئة عينٍ في المشرق مثل ذلك] تفور كغَلَيان القدرِ، فكل يومٍ وليلةٍ لهما مطلعٌ جديدٌ ومغربٌ جديدٌ، فذلك قوله تعالى: ﴿رَبُّ الْمَشْرِقَينِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَينِ﴾ [الرحمن: ١٧] ثم جمع فقال: ﴿الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ﴾ [المعارج: ٤٠].
قال: وخَلَق اللهُ مجرىً دونَ السماءِ، يعني: بحرًا، مقدارَ ثلاثةِ فراسخَ، وهو موجٌ مكفُوفٌ قائمٌ في الهواءِ كأنَّه جبلٌ ممدودٌ، فتجري فيه الشَّمسُ والقَمَرُ والخُنَّس، فذلك قوله تعالى: ﴿وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ﴾ [يس: ٤٠].
والذي نفسُ محمدٍ بيدِه، لو بَدَتِ الشَّمس من ذلك البحرِ لأَحرَقَتْ كلَّ شيءٍ في الأرضِ حتى الصُّخور والحِجارة، ولو بَدا القمرُ من ذلك البحرِ لافتَتَن أهلُ الأرضِ به حتى يعبدوه من دون الله".
قال ابن عباس: وكان علي بن أبي طالبٍ ﵁ حاضرًا فقال له: يا رسولَ الله ذكرتَ الخُنَّس فما هنَّ؟ فقال: "خمسة كواكبَ، البِرْجِيس وزُحل وعطارد وبهرام والزهرة، جاريات طالعاتٌ كالشَّمسِ والقَمَرِ، فأمَّا سائرُ الكواكِبِ فمعلَّقاتٌ في السَّماء كالقنادِيل في المساجِدِ" (١).
قال: وقال النبي ﷺ: "خلق الله مدينتين: إحداهما بالمشرق، والأخرى بالمغرب، جابرسا وجابلقا، لكل واحدةٍ منهما عشرةُ آلافِ باب، وعلى كلِّ بابٍ عشرةُ آلاف فارس ووراءهم أُمم يقال لهم: منسك وتاريس وتاويل، ومن ورائهم يأجوج ومأجوج. وذكر ابن جرير حديثًا طويلًا مقدار كرّاسة، وفيه: طلوعُ الشمس من مغربها
(١) "تاريخ الطبري " ١/ ٦٢، و"العظَمة" لأبي الشيخ (٦٢٧) وما بين حاصرتين منهما.