للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الأمرُ على ما قالوا، ولم يبق إلا التَّروية، إنك إنْ تَقبلْه اليوم لم تَعدَم في غدٍ من يستحقُّ به ما ليس له، فقال: صدقتَني، فقطعه بينهم.

وروى سيف عن عبد الملك بن عمير قال: لما قَدم البساطُ على عمر جمع الناسَ واستشارهم فيه، فمن مُشيرٍ بقَبْضه، وآخر مفوّض إليه (١)، فقام علي فقال: لِمَ تجعلُ علمَك جَهلًا، ويقينَك شكًّا! إنه ليس لك من الدنيا إلا ما أعطيتَ فأَمضيتَ، أو لبستَ فأبليت، أو أكلتَ فأفنيت، فقال: صدقتَني، فقطعه وقسمه بين الناس، فأصاب عليًا قطعةٌ، فباعها بعشرين ألفًا، وما هي بأجود تلك القِطع.

وقال سيف: قال سعد للمسلمين: خُصُّوا أمير المؤمنين بحلية كسرى، فبعثوا بها إلى عمر، ومعها سَفَطٌ فيه جواهر ليس لها قيمة، فلما رآها عمر عجب وقال: إنَّ قومًا أدوا إلينا هذا لذَوو أمانةٍ، فقال له علي: عَفَفْتَ فعفَّت رعيَّتُك (٢).

قال: ولما حضرت حِليةُ كسرى بين يديه قال عمر لمُحَلِّم، وكان أجسمَ أهل المدينة: قم فالبس ثيابَ كسرى وتاجَه، ففعل، فرأى الناسُ أمرًا عظيمًا، فقال له: اخطر، فخَطَر في ثيابِ كسرى، فقال له عمر: إيه، أعرابيٌّ يَلبَس ثيابَ كسرى وسلاحه! انزع لا أمَّ لك، فنزعها، ويقال: إن عمر أعاد الجميع إلى سعد وقال: لم أشهد معكم فكيف آخذُه.

وذكر الخطيب عن السائب بن الأقرع: أنه كان جالسًا في إيوان كسرى، فنظر إلى تمثالٍ يُشير بأصبعه إلى موضع، قال: فوَقع في روعي أنه يشير إلى كنزٍ، فاحتَفرتُ ذلك الموضع، فاستخرجتُ كنزًا عظيمًا، فكتبتُ إلى عمر أقول: هذا شيءٌ أفاءه اللَّه عليَّ دون الناس، فكتب إليَّ عمر: إنك أميرٌ من أُمراء المسلمين، فاقسمه بينهم (٣).

وحكى سيف عن عِصمة بن الحارث الضبِّي قال: خرجتُ فيمن خرج من المدائن نطلب الفُرسَ، فإذا حمَّارٌ معه حِمار، فلما رآني حثَّه حتى لحق بآخر قُدّامه فحثا حمارَيهما، فانتهيا إلى جدولٍ قد كُسر جسرُه، فأتيتُهما، فقتلتُ واحدًا منهما وأفلت


(١) من قوله: إلا ما كان من علي. . . إلى هنا ليس في (أ) و (خ).
(٢) الأخبار الثلاثة في تاريخ الطبري ٤/ ٢٠ - ٢٣، والمنتظم ٤/ ٢٠٧ - ٢١٠.
(٣) تاريخ بغداد ١/ ٢٠٣، والمنتظم ٤/ ٢١١.