لي العلاء: انظر ما تحب فقال: تجعلني أُؤذّن لك، ولا تَسبقني بآمين، فأعطاه ذلك.
وكان رسول اللَّه ﷺ قد كتب إلى العلاء أن يَقدم عليه بعشرين رجلًا من عبد القيس، فقدم عليه بهم، ورئيسُهم عبد اللَّه بن عوف الأشجّ، واستخلف العلاءُ على البحرين المنذر بن ساوَى، فشكا الوفدُ العلاءَ إلى رسول اللَّه ﷺ، فعَزله عنهم، وولَّى أَبان بن سعيد بن العاص عليهم، وقال له:"استَوصِ بعبد القيس خيرًا وأكرم سَراتهم".
فلم يزل أَبان على البحرين حتى قبض رسول اللَّه ﷺ، فقدَم على أبي بكر رضوان اللَّه عليه، فقال له: ارجع إلى عملك، فقال: لا واللَّه، لا أعملُ لأحدٍ بعد رسول اللَّه ﷺ، فلما امتنع دعا العلاءَ، فولاه البحرين، فخرج من المدينة في ستةَ عشر راكبًا، معه فُرات بنُ حيَّان العجليّ دليلًا، وكتب معه كتابًا أن يَنفر معه كلُّ مَن مَرَّ به من المسلمين.
فسار حتى نزل بحِصن جُواثا، فقاتلهم فلم يُفلت منهم أحد، ثم أتى إلى القَطيف وبها جمع من العجم فقاتلهم، فأصاب منهم طرفًا، فانضمَّت الأعاجم إلى الزَّارة، فأتاهم العلاء، فنزل الخَطّ على ساحل البحر، فقاتلهم وحاصرهم؛ إلى أن توفي أبو بكر رضوان اللَّه عليه، وولي عمر رضوان اللَّه عليه، وطلب أهلُ الزَّارة الصُّلْحَ، فصالحهم العلاء، ثم عبر إلى أهل دَارِين فقاتلهم، فقتل المقاتلة، وحوى الذَّراري، وبعث عَرْفَجة ابن هَرْثَمة إلى أسيافِ فارس، فقطع في السفن، فكان أوَّل مَن فتح جزيرةً بأرض فارس، واتخذ فيها مسجدًا، وأغار على بارِنْجان والأسياف، وذلك في سنة أربعَ عشرة.
قال الشعبي: كتب عمر بن الخطاب رضوان اللَّه عليه إلى العلاء بن الحَضْرميّ وهو بالبحرين أن سِرْ إلى عُتبة بن غزوان، فقد وَليتُك عملَه، واعلم أنك تَقدم على رجلٍ من المهاجرين الأوَّلين، الذين سبقتْ لهم من اللَّه الحُسنى، لم أعزِلْه ألا يكون عفيفًا صَليبًا في دين اللَّه، شديدَ البأس ولكنني ظننتُ أنك أغنى عن المسلمين في تلك الناحية منه، فاعرف له حقَّه، وقد ولَّيتُ قبلَك رجلًا، فمات قبل أن يَصل، فإن يُرد اللَّه أن تليَ وليت، وإن يرد اللَّه أن يليَ عُتبة فالخلقُ والأمر للَّه رب العالمين، واعلم أن أمر اللَّه مَحفوظ بحِفظه الذي أنزله، فانظر الذي خُلقتَ له فاكْدَح له، ودَعْ ما سواه، فإن الدنيا أمَدٌ، والآخرة أبد، فلا يُشغلنكم شيءٌ مُدبِرٌ خيرُه، عن شي باقٍ خيرُه، واهرب إلى اللَّه من سَخَطِه، فإن اللَّه يجمع لمن شاء الفَضيلة حِلمه وعلمه، نسألُ اللَّه لنا ولكم العَونَ على طاعته، والنجاةَ من عذابه.