وقال أبو نُعَيم الحافظ بإسناده عن أبي هُريرة قال: قال رسول ﷺ: "إنَّ اللَّه يحبُّ من خَلْقه الأصفياءَ الأخفياءَ، الشَّعثةَ رؤوسُهم، المُغْبَرَّةَ وجوهُهم، الخَميصةَ بطونُهم، الذين إذا استأذنوا على الأُمراء لم يُؤذَن لهم، وإن خَطبوا المُنَعَّمات لم يُنكحوا، وإن غابوا لم يُفْتَقدوا، وإن طَلعوا لم يُفْرَح بطلعتهم، وإن مَرِضوا لم يُعادوا، وإن ماتوا لم يُشهدوا، قالوا: يا رسول اللَّه، وكيف لنا برجلٍ منهم؟ قال: ذاك أُوَيس القَرَني، أشهلُ ذو صُهوبةٍ، بعيدُ ما بين المَنْكبَيْن، مُعتدِلُ القامة، آدمُ شديدُ الأُدْمَة، ضاربٌ بذَقنه على صدره، رامٍ ببصره مَوضعَ سجوده، واضعٌ يمينَه على شماله، يَتلوا القُرآن ويَبكي على نفسه، ذو طِمْرَيْن لا يُؤبه له، مُتَّزرٌ بإزارٍ من صوفٍ، ورداءٍ من صوف، مجهولٌ في أهل الأرض، معروفٌ في أهل السماء، لو أقسم على اللَّه لأبرَّه، ألا وإن تحت مَنكبه الأيسر لَمعةً بيضاء، ألا وإنه إذا كان يومُ القيامة يُقال للعباد: ادخلوا الجنَّة، ويُقال لأُويسٍ: قف فاشفَعْ، فيُشفِّعه اللَّه في مثل عدد ربيعة ومُضر. يَا عمر ويا علي، إذا أنتُما لقيتماه فاطلبا إليه أن يَستغفر لكما، يَغفر اللَّه لكما".
قال: فمكثا يَطلبانه عشرَ سنين، لا يَقدران عليه، فلما كان في آخر السنة التي هلك فيها عمر قام على أبي قُبيس، ونادى بأعلى صوته: يا أهل الحجيج من اليمن، أُوَيسٌ فيكم؟ فقام شيخ كبير، فقال: إنَّا لا ندري ما أُوَيس؟ ولكن لي ابنُ أخٍ يُقال له أُوَيس، هو أخملُ ذكرًا، وأقلُّ مالًا، وأهون أمرًا من أن تَرفعه إليك، وإنه ليرعى إِبِلَنا بأَراك عَرفات، وهو حقيرٌ بين أظهُرنا.
فركب عمر وعليٌّ حمارَيْهما، وأسرعا إلى عرفات، وإذا به قائمٌ يُصلِّي إلى شجرة، والإبلُ ترعى حوله، فشدّا حمارَيهما، وأقبلا إليه فسلَّما عليه، فخفَّف من صلاته، وردَّ عليهما، فقالا: مَن الرَّجُل؟ قال: راعي إبلٍ وأجيرُ قومٍ، قالا: لسنا نَسألُك عن هذا، وإنما سألناك عن اسمك، فقال: اسمي عبد اللَّه، قالا: قد علمنا أن أهل السماء والأرض كلَّهم عبيدُ اللَّه، فما اسمُك الذي سمَّتك به أمُّك؟ فقال: يا هذان، ما تُريدان مني؟ قالا: وصف لنا رسولُ اللَّه ﷺ أُوَيْسًا القَرَني، فقد عرفنا الصُّهوبةَ والشُّهولةَ، وأنبأنا أن تحت مَنكبك الأَيسر لَمعةً بيضاءَ، فأَوضِحْها لنا، فإن كانت بك، فأنت هو.