للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

صلاةً، ولا صيامًا، ولا صدقةً، ولا أَقْبلَ على ما يَعنيه من أمر الآخرة من سُهيل بن عمرو، حتى إن كان لقد شَحِب وتَغيَّر لونُه، وكان كثيرَ البكاء، رقيقًا عند سماع القرآن وقراءته.

ولقد رُئي يَختلف إلى مُعاذ بن جبل يُقرئه القرآن وهو بمكة، حين خرج معاذ إلى مكة (١)، حتى قال له ضِرار بنُ الخطاب: يا أَبا يزيد، تَختلف إلى هذا الخزرجيّ يُقرئك القرآن! هلا يكون اختلافُك إلى رجلٍ من قومك؟ فقال: يا ضرار، إن هذا الذي صنع بنا ما صنع، حتى سبقنا كلّ السَّبْق، إني لعَمري اختلف إليه، فقد وَضع اللَّه أمرَ الجاهلية، ورَفع بالإِسلام أقوامًا كانوا لا يُذكرون، فليتنا كنا مع أولئك فتقدمنا، وإني لأذكر قَسْم اللَّه لي في تقدُّم [إسلام] أهلي، حتى الرجال والنساء، ومولاي عُمير (٢) بن عوف، فأُسَرّ به، وأَحمَد اللَّه عليه، وأرجو أن يكون اللَّه نفعني بهم ودعائهم؛ ألا أكون متُّ أو قُتلت على ما مات عليه نُظرائي أو قتلوا.

وقد شَهدت مَواطنَ كلّها أنا فيها مُعانِد الحق: يوم بدر واحد والخندق، وأنا وَليتُ أمرَ الكتاب يوم الحديبية، وإني لأذكُر مُراجعتي رسولَ اللَّه يومئذٍ، وما كنتُ أَلطُّ به من الباطل، وأنا بمكة وهو بالمدينة، فأستحيي منه، ولكن ما كان فينا من الشرك أعظم من ذلك، ولكن رأيتني يوم بدر وأنا في حَيِّز المشركين، وأَنظُر إلى ابني عبد اللَّه وعُمير ابن وهب مولاي قد فرَّا مني، فصارا في حيِّز محمد، وما عمي عني يومئذٍ من الحق لما أنا فيه من الجهالة، وما أرادهما اللَّه به من الخير، ثم قُتل ابني عبد اللَّه يوم اليمامة، فعَزّاني فيه أبو بكر وقال: قال رسول اللَّه : "إن الشَّهيد لَيَشفع لسبعين من أهل بيته" (٣)، وإني لأرجو أن أكون أوَّلَ مَن يشفع [له].

قال الحسن : حَضر بابَ عمر بن الخطاب سُهيل بنُ عمرو، والحارث بنُ هشام، وأبو سفيان بنُ حَرْب، ونَفرٌ من قُريش من تلك الرؤوس، وصُهيب وبلال وتلك


(١) في طبقات ابن سعد ٦/ ١٢٥، والمنتظم ٤/ ٢٥٩: حتى خرج معاذ من مكة.
(٢) في (أ) و (خ): عمرو، وهو خطأ، وسيترجم له المصنف قريبًا.
(٣) طبقات ابن سعد ٦/ ١٢٥، والمنتظم ٢٥٩ - ٢٦٠، وأخرج الحديث أبو داود (٢٥٢٢)، وابن حبان (٤٦٦٠)، والبيهقي في الكبرى ٩/ ١٦٤ من حديث أبي الدرداء .