للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ادفَعْه لنا، فقال: "خَلُّوا عنه، فليس لكم عليه سبيل"، فانصرف معاذ إلى بني سَلِمة،

فقال له قائل: يا أَبا عبد الرحمن، لو سألتَ رسول اللَّه ، فقد أصبحتَ اليوم مُعدمًا، فقال: ما كنتُ لأسألَه.

ثم دعاه رسول اللَّه بعد يوم، فبَعثه إلى اليمن، وقال له: "لعلَّ اللَّه يَجبُرُك ويُؤدِّي عنك دَيْنك".

فخرج إلى اليمن، فلم يَزلْ بها حتى تُوفّي رسول اللَّه ، فوافى مُعاذ مكّة وقد حجَّ عمر رضوان اللَّه عليه بالناس في تلك السنة، فالتقيا، فاعتنقا وبَكيا، وعزَّى كلُّ واحدٍ منهما صاحبَه في رسول اللَّه .

ورأى عمر رضوان اللَّه عليه معه غِلمانًا، فقال له: ما هؤلاء؟

فقال: أُهدوا إليّ، فقال: اذكُرهم لأبي بكر، فقال: لا أفعل، وإنهم مالي. فرأى في تلك الليلة في المنام كأنه على شَفير النار، وعمر رضوان اللَّه عليه آخِذٌ بحُجْزته، يَمنعه أن يقع فيها، وكان معاذ أعتقهم لما رآهم يُصلّون، ثم قضى أبو بكر رضوان اللَّه عليه لبقيَّة غُرمائه، وقال: سمعتُ رسول اللَّه يقول: "لعلَّ اللَّه يَجبُرك" (١).

وكان معاذ يُصلّي مع رسول اللَّه ، ثم يَرجع فيُصلّي بقومه، فأخَّر رسول اللَّه الصلاةَ مرَّةً، فصلَّى مُعاذ معه، ثم جاء يَؤُمُّ لقومه، فقرأ البقرة، فاعتزل رجلُ من القوم فصلّى، فقيل: نافقتَ يَا فلان، فقال: ما نافَقْتُ، فأتى رسولَ اللَّه فقال: إن معاذًا يُصلِّي معك، ثم يَرجع فيؤمُّنا يَا رسول اللَّه، إنما نحن أصحابُ نَواضِح، ونعملُ بأيدينا، وإنه جاء يَؤُمُّنا، فقرأ سورةَ البقرة، فقال رسول اللَّه : "يَا معاذ، أفتَّانٌ أَنْتَ؟ اقرأ باسم ربك الأعلى، والليل إذا يَغشى" (٢).

وقال (٣) عبد اللَّه بن أحمد بإسناده عن أنس قال: قال رسول اللَّه : "أعلمُ أمَّتي بالحلال والحرام معاذُ بنُ جبل" (٤).


(١) طبقات ابن سعد ٣/ ٥٤٣ - ٥٤٤.
(٢) أخرجه أحمد (١٤٣٠٧)، والبخاري (٦١٠٦)، ومسلم (٤٦٥) من حديث جابر بن عبد اللَّه .
(٣) من قوله قال جابر بن عبد اللَّه وكان معاذ قد ادان. . إلى هنا ليس في (ك).
(٤) مسند أحمد (١٢٩٠٤).