إلى أهلهم وذَراريهم، وإن أشخصتَ أهلَ اليمن سارت الحَبَشةُ إلى ذَراريهم، وإنك متى شَخصتَ من هذين الحرمين انتَقَضَت عليك الأرضُ من أقطارها، حتى يكون ما تُخلّف خلفك من العَورات أهمَّ إليك مما بين يديك، ولكن أرى أن تكتب إلى أهل البصرة فيتفرقون؛ فِرقة تُقيم في أهلها، وفرقة يسيرون إلى إخوانهم بالكوفة، ثم يَسيرون إلى العدو.
فقال عمر رضوان اللَّه عليه: صَدقتَ، فأشيروا عليَّ برجلٍ أُوَلّيه ذلك الثغر، قالوا: أَنْتَ أفضلُنا رأيًا، قال: أشيروا عليّ واجعلوه عراقيًّا، قالوا: أنت أعلمُ بأهل العراق، فقال: لأُوَلِّينَّ رجلًا يكون قتيلًا في أول وَهْلة، قالوا: ومَن هو، قال: النعمان بن مُقَرِّن المزَني.
وكان النعمان بالكوفة فكتب إلى أهل الكوفة: أما بعد، فقد استعملتُ عليكم النعمان، فإن قُتل فعليكم حُذيفة بن اليمان، فإن قُتل فعليكم جرير بن عبد اللَّه، فإن قتل فعليكم المغيرة بن شُعبة، فإن قُتل فعليكم الأَشعث بن قيس.
وكان في كتابه إلى النعمان: أما بعد فإن في عَسكرك عمرو بن مَعدي كَرِب، وطُليحة بن خُوَيلد، وهما يُعدّان بأَلْفَي رجل، فشاوِرْهما في الحرب، ولا تُولِّهما عَملًا، ثم دعا السَّائب بنَ الأَقْرع، فدفع إليه الكتاب وقال: انطلق فاقرأ كتابي على الناس، وانظر ذلك الجيشَ، فإن نَصرهم اللَّه كنتَ الذي تَلي مَغانمهم، وإن وَهنوا فاذهب في الأرض، ولا أراك بعدها أبدًا.
فسار السَّائبُ حتى قَدم الكوفة، فقرأ الكتاب على الناس، وبَعث إلى أهل البَصرة بكتابهم، فأقبلوا، وسار الناس مع النعمان، وأقبلت الأعاجم بجمُوعها حتى نزلت نَهاوَنْد (١).
وقيل: إن كتاب عمر رضوان اللَّه عليه لما وَرد النعمان يَأمُره بالمسير إلى المشرق كتب إليه: يا أمير المؤمنين، أُمَّ بي أَشَدَّ الوُجوه وهي نَهاوَنْد، فإن الفُرس قد اجتمعت بها، وعليهم ذو حاجب نائب يَزدجرد، فكتب إليه: سِر إليها، فسار ومعه وُجوه
(١) المنتظم ٤/ ٢٧٢ - ٢٧٤ وما سلف بين معكوفين منه، وانظر تاريخ الطبري ٤/ ١٢٤ - ١٢٦.