للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وكان بعض أهل الكوفة شَكَوْا سعدًا ، وقالوا: إنه لا يُحسن أن يُصلّي، فأرسل إليه عمر رضوان اللَّه عليه، فقال: يا أَبا إسحاق، إن هؤلاء يَزعمون أنّك لا تُحسِن أن تُصلّي! فقال: أما أنا فإنِّي واللَّه كنتُ أُصلّي بهم صلاةَ رسول اللَّه ، لا أَخْرِمُ عنها، أُصلّي صلاتَي العشاء، فأرْكُدُ في الأوَّلَتين، وأَحْذِف في الآخرتين، قال: ذلك الظَّنُ بك يَا أَبا إسحاق، إن هؤلاء يَزعمون أنك لا تُحسن أن تُصلّي (١).

فأرسل عمر رضوان اللَّه عليه معه رجالًا إلى الكوفة، فسأل عنه أهلَها، فلم يَدعْ مسجدًا إلا سأل عنه، ويُثنون عليه معروفًا، حتى دخل مسجدًا لبني عبس، فقام رجل منهم يُكنى أَبا سَعدة، اسمه أسامة بنُ قتادة فقال: أما إذ نَشَدْتنا، فإن سعدًا كان لا يَسير بالسَّرِيّة، ولا يَقسم بالسَّوِيّة، ولا يَعدِل في القَضيّة، فقال سعد : أما واللَّه لأدعُونّ بثلاث: اللهمَّ إن كان عبدك هذا كاذبًا، قام رياءً وسُمعةً، فأطِلْ عُمُره، وأطل فَقرَه، وعَرِّضه للفِتن، فكان بعد ذلك إذا سُئل يقول: شيخ مَفتون أصابَتْه دَعوةُ سعد.

قال جابر بن سَمُرة: فأنا رأيتُه بعد ما سقط حاجباه على عينيه من الكِبَر، وإنه ليَتعرَّضُ للجَواري في الطُّرق يَغمِزهُنّ (٢).

وفيها قسم عمر بن الخطّاب رضوان اللَّه عليه خيبر بين المسلمين، وأَجْلى اليهودَ عنها، وسببه أنَّهم فَدَعوا ابنه عبد اللَّه .

قال نافع: لما فَدَع أهلُ خَيبر عبد اللَّه بن عمر قام [عمر] خطيبًا فقال: إن رسول اللَّه كان عامَل أهلَ خَيبر على أموالهم، وقال: "نُقِرُّكم على ما أَقَرَّكم عليه اللَّه"، وإن عبد اللَّه بن عُمر خرج إلى ماله هناك، فعُدِي عليه من الليل، فَفُدِعَتْ يداه ورجلاه، وليس هناك عدوٌّ غيرَهم، وقد رأيتُ إجلاءَهم، فإنهم عَدوُّنا وتُهْمَتُنا، فلما قال عُمر ذلك أتاه أحدُ بني أبي الحُقَيق فقال: يا أمير المؤمنين، أتُخرِجُنا وقد أقرَّنا محمد، وعامَلَنا على الأموال، وشرط لنا ذلك؟ فقال له عمر: أتظنُ أني نسيتُ قولَ رسول اللَّه : "كيف بك إذا أُخرِجْتَ من خيبر تَعدو بك قَلُوصُك ليلةً بعد ليلة؟ "، فقال: كانت تلك هُزَيْلةً كانت


(١) هذه العبارة مكررة بسبب انتقال النظر، واللَّه أعلم.
(٢) أخرجه أحمد (١٥١٠)، والبخاري (٧٥٥)، ومسلم (٤٥٣)، والخطيب في تاريخ بغداد ١/ ١٤٥، وابن الجوزي في المنتظم ٤/ ٢٢٩.