للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وجاءه غُلامه فقال: ليس عندنا ما نَتغدّى به، فقال: خُذْ هذا الثوب، فبِعْه واشترِ به دقيقًا، قال: أفلا تَقترضُ خمسةَ دراهم من هذا المال الذي في ناحيةِ بيتك إلى غدٍ، ولا تبيع ثوبَك، فقال: واللَّه إني لأُدخل يدي في جُحْر أفعى فتنال مني؛ أحبُّ إليّ من أن أُطْمِعَ نفسي في هذا الذي تقول.

وقيل لعمر رضوان اللَّه عليه: إنه يُبذّر المال، وإنما عزلتَ خالد بن الوليد لتَبذيره، ولأنه كان يُعطي الناس دونك! فقال: إن سَماحَ عِياضٍ في ذات يده حتى لا يُبقي من ماله شيئًا، فإذا بلغ إلى مال اللَّه لم يُعط منه شيئًا، مع أني لم أكن لأَعزلَ أميرًا أمّره أبو عبيدة.

ولما وَلي حمص قَدم عليه نفرٌ من أهل بيته يَطلبون صِلتَه، فأنزلهم وأكرمهم، وكانوا خمسة، فدفع لكلِّ واحدٍ منهم عشرة دنانير، فسخطوا ونالوا منه، فقال: إني ما أُنكرُ قَرابتَكم، ولا بُعدَ شُقَّتكم وحقَّكم، ولكن واللَّه ما خَلَصتُ إلى ما وُصلتم به إلا ببيعِ خادمي، وبيع ما لا غِنى لي عنه، فاعذروني، فقالوا: [إنك والي نصف الشام، وتعطي الرجل منا ما جهده أن يبلغه إلى أهله! قال: فتأمروني أسرق مال اللَّه؟!] واللَّه لأن أُشَقَّ بالمناشير أحبُّ إليَّ من أن أَخُونَ فَلسًا وأتعدّى، فقالوا: قد عَذَرْناك في ذات يدك، فوَلِّنا أعمالًا من أعمالك، نُؤدّي إليك ما يُؤدّي الناس، ونُصيبُ من المنفعة ما يصيبون، قال: أخافُ عَتَبَ عمر، وأن يقول: ولَّيتَ نفرًا من قومك، قالوا: فقد وَلّاك أبو عبيدة، وأنت في القرابة بحيث أنت، وأنفذ لك عُمرُ ذلك، فلو وَلّيتَنا أنفذه، فقال: إني لستُ عنده كأبي عُبيدة، فانصرفوا وهم لائمون له، غير عَاذرين.

ومات عياض ولا مال له، ولا دَين عليه، وكان شريفًا في قومه، وذكره ابن قيس الرُّقَيّات في أشراف قريش فقال: [من الخفيف]

وعِياضٌ وما عياضُ بنُ غَنْمٍ … كان من خيرِ مَن أَجَنَّ النّساءُ (١)

وكان أحد الأمراء والولاة باليرموك، وله صحبة ورواية ، وتوفّي وهو ابن ستين سنة (٢).


(١) ديوان عبيد اللَّه بن قيس ٩٤، والاستيعاب (١٩٣٩)، والتبيين ٤٩٥، وتاريخ بغداد ١/ ١٨٤.
(٢) طبقات ابن سعد ٥/ ٩٤ و ٩/ ٤٠٢، وتاريخ دمشق ٥٦/ ٤٣١، والمنتظم ٤/ ٣٠٣، والسير ٢/ ٣٥٤، والإصابة ٣/ ٥٠.