اللَّه!؟ فقال: أتيتُ البلدَ، فجمعتُ صُلَحاءَ أهلِه، فوَلَّيْتُهم جِبايتَه، حتى إذا جمعوه وضعتُه في مواضعِه، ولو نالك منه شيءٌ لأتيتُكَ به، فقالى: جَدِّدوا لعُميرٍ عهدًا، فقال: هذا شيءٌ لا عملتُه لك ولا لأحدٍ بعدكَ، واللَّهِ ما سَلِمْتُ ولا أَسْلَمُ، قلتُ يومًا لنَصْراني أو لذِمّيّ: أخزاكَ اللَّه، وقد سمعتُ رسول اللَّه ﷺ يقول:"أنا خَصْمُ ظالمِ اليتيمِ والمعاهد"، وما الذي يُؤمِنني أن يَخصِمَني رسول اللَّه ﷺ، فخرج عمر حتى أتى قبرَ النبيّ ﷺ وهو يبكي ويقول: السلام عليك يا رسولَ اللَّه وعلى صاحبك، ماذا لقيتُ بعدكما؟
ثم استأذن عمرَ رضوان اللَّه عليه فأذن له، فرجع إلى منزله وبينه وبين المدينة أميال، فبعث إليه عمر رضوان اللَّه عليه رجلًا يقال له الحارث بمئة دينار، وقال: انطلق إلى عُمير حتى تنزل به كأنك ضَيف، فإن رأيتَ أثر شيء فأَقبِلْ، وإن رأيتَ حالًا شديدًا فادفعها إليه.
فانطلق الحارث، وإذا بعُمَير ﵁ جالس إلى جانب الحائط يَفْلي قميصًا، فنزلى وسلّم عليه، فردّ وقال: من أين جئتَ، قال: من المدينة، قال: كيف تركتَ أميرَ المؤمنين؟ قال: ضرب ابنًا له على فاحشة فمات من ضَرْبه، فقال عُمير: اللهمَّ أَعِنْ عمر، فإني لا أعلمه إلا [شديد] الحبّ لك، فأقام عندهم ثلاثة أيام، وليس لهم إلا قرصٌ من شعير كانوا يَخصُّونه به ويَطوون.
فقال له عمير: يا هذا، أنتَ قد أَجَعْتَنا، فإن رأيتَ أن تَرتَحِل عنا فافعل، فأخرج الدَّنانير فدفعها إليه، وقال: بعث بها إليك أمير المؤمنين، فاستعن بها، فصاح عُمير وبكى وقال: لا حاجةَ لي بها، رُدَّها، صحبتُ رسول اللَّه ﷺ وأبا بكر، ولم أُبْتَلَ هذا، فقال: ما لي شيءٌ أجعلُها فيه، فشقَّت المرأةُ أسفلَ دِرعها وأعطَتْه خرقةً فجعلها فيها، ثم خرج فقَسَمها بين أبناء الشُّهداء والفُقراء، ثم رجع فقال للرسول: أقرئ مني السلامَ أمير المؤمنين.
فرجع الحارث إلى عمر رضوان اللَّه عليه، فقال: ما رأيتَ؟ قال: حالًا شديدًا، قال: فما صنع بالدَّنانير؟ قال: لا أدري، فأرسل إليه عمر رضوان اللَّه عليه فجاء، فقال: ما صنعت بالدَّنانير؟ قال: وما سُؤالك عنها؟ قال: أَنشدك إلا ما أخبرتَني،