للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

واللَّه ما أجهلُ عن كراكِر وأسنِمةَ، وعن صِلاءٍ وصِنابٍ وصَلائق، ولكني سمعتُ اللَّه يقول: ﴿أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا﴾ الآية [الأحقاف: ٢٠].

الصِّلاء: الشِّواء، والضِّناب: الخَرْدَل، والصَّلائق: الخبزُ الرقيق، وأراد أسنمةَ الجِمال وظُهورَها.

وقال ابن سعدٍ بإسناده، قال ابن للبراء بن معرور: إن عمر خرج يومًا حتى أتى المِنْبَرَ، وقد كان اشتكى شكوى له، فنُعِتَ له العسلُ، وفي بيتِ المالِ عُكَّةٌ من عسلٍ، فقال: أيّها الناسُ، إني مريضٌ، وقد وُصِفَ لي العسلُ، وفي بيتِ المال عُكَّةٌ، فإن أذِنتُم لي فيها أخذتُها، وإلا فهي عليَّ حَرام، فأذِنوا له فيها.

وحكى ابنُ سعدٍ عن الواقدي قال: أهدى أبو موسى الأشعري إلى عاتكة بنت زيد زوجةِ عمر طِنْفِسةً تكون قَدْرَ ذِراعٍ وشِبرٍ، فقال لها عمر: من أين لكِ هذه؟ قالت: أهداها إليَّ أبو موسى، فدعاها عمر وضرب بها رَأْسَها حتى نَفَضَ رَأْسَها، ثم قال: عليَّ بأبي موسى، فجاء، فقالى له: ما حَملكَ على أن تُهديَ لنِسائي؟ ثم ضرب بها رأسَه وقال: خُذْها لا حاجةَ لنا بها (١).

وحكى الواقدي أيضًا عن ابن عباسٍ قال: أهدت امرأةُ ملكِ الروم إلى زوجةِ عمر أُمِّ كلثوم بنت عليّ عقدًا وطِيبًا على دوابِّ البريدِ التي للمسلمين، وكان عمر قد بعث البريد إلى ملك الروم في مُهمٍّ، فبعثتْ معه أُمُّ كلثوم بهدية إلى امرأةِ ملك الروم، فبعثت إليها امرأةُ ملكِ الروم بهديَّةٍ فيها طِيبٌ، وعِقدُ لؤلؤٍ فيه جوهر له قيمةٌ، فلما بلغ عمرَ ذلك جمع المسلمين وأخبرهم الخبرَ وقال: ما تَرونَ؟ فقالوا: مازلنا نُهدي إليهم ويُهْدون إلينا، فقال: نعم، ولكنَّ البريدَ الذي حُمِلت عليها الهديّة إنَّما هو للمسلمين، فردَّ الطيبَ والعِقْدَ إلى بيتِ المال وقال: أعطوها قيمةَ ما أهدت (٢).

وكان عمر رضوان اللَّه عليه إذا احتاج أتى صاحبَ بيت المال فاستقرضه، فربما أَعْسَر، فيأتيه صاحب بيت المال فيتقاضاه وبلزمه، فيحتال له عمر، وربما خرج عطاؤه فقضاه (٣).


(١) الأخبار الثلاثة في طبقات ابن سعد ٣/ ٢٥٩ - ٢٦٠، ٢٥٧، ٢٨٧.
(٢) المنتظم ٤/ ١٣٩.
(٣) طبقات ابن سعد ٣/ ٢٥٧، وهذا الخبر ليس في (ك). ومعنى يحتال له: يُحيله بالدَّين على رجل آخر يتقاضى منه.