للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولا دفع بها شَرًّا.

واشهد جنائز المسلمين، وعُدْ مَرضاهم، وباشر أمورَهم، وافتح بابَك لهم، فإنما أنت رجلٌ منهم، غير أن اللَّه جعلك أثقلَهم حِملًا.

وقد بلغني أنه قد فَشَتْ لك ولأهلك هَيْئةٌ في لباسك ومَطعمك ومَرْكَبِك ليس للمسلمين مثلها، فإياك يا ابن قيس أن تكون مثلَ البَهيمة؛ هَمُّها في السِّمَن وفيه حَتْفُها.

واعلم أن مَن تزيَّن للناس بما يَعلَمُ اللَّه خِلافه هتك اللَّه ستره، وأن العامل إذا زاغ زاغتْ رَعيَّتُه، وأشقى الناس مَن شَقِي به الناس (١).

وخطب عمر رضوان اللَّه عليه فقال: الحمد للَّه الذي أعزَّنا بالإسلام، وأكرَمَنا بالإيمان، ورَحِمنا بمحمد ، وجَمَعَنا بعد الشَّتات، وألَّفَ بين قُلوبنا، ونصرنا على عَدوِّنا، وفتح لنا البلاد، وأَدان لنا العباد، وجَعَلنا إخوانًا على سُرُرٍ مُتَقابِلين، وفيه مُتَحابِّين، فنَحمد اللَّه على هذه النِّعمة، ونَسألُه المزيدَ من فضله، وقد صَدَقَنا وَعْدَه، ووَعَدنا نَصْرَه، فإياكم والمعاصي وكُفْران النِّعَم، فقلَّ أن كفرَ قومٌ النِّعَم، ولم يَفزعوا إلى التَّوبة إلا سُلِبوا عِزَّهم، وسُلِّط عليهم عَدُوُّهم.

فمَن أراد أن يسأل اللَّه المال فلْيَأتِني، فإن اللَّه جَعلني خازنًا وقاسمًا، ومَن أسرع إلى الهجرة أسرع إليه العَطاء، ومَن أبطأ عنها أبطأ عنه، فلا يَلُومَنَّ أحدٌ إلا مُناخَ راحِلَته.

وقد أتى علينا زمانٌ ونحن نرى قُرَّاء القرآن يُريدون وَجْهَ اللَّه، وأما الآن فيُخَيَّل لي بأن أقوامًا يُريدون به الدُّنيا، فأَرِيدوا اللَّهَ بأعمالكم، ومَن رأينا به خيرًا ظننَّا به خيرًا وأحْبَبْناه، ومَن رأينا به شرًّا ظنَنَّا به شرًّا وأبغضناه، سرائركم بينكم وبين ربّكم (٢).

قال حُذيفة: كنتُ واقفًا مع عمر بن الخطاب بعرفات، وإن راحلتي لبجَنْب راحلته، وإن رُكبتي لتَمسُّ رُكبتَه، ونحن نَنتظرُ أن تَغرُبَ الشمس فنُفيض، فلما رأى تكبيرَ الناس ودُعاءهم وما يَصنَعون أعجبه ذلك، فقال: يا حُذيفة، كم ترى هذا يبقى للناس؟ فقلتُ:


(١) العقد الفريد ١/ ٨٨ - ٨٩.
(٢) العقد الفريد ١/ ٦٣ - ٦٤.