أسلم سلمان عند قدوم رسول الله ﷺ المدينة، ومنعه الرّق من شهود بدرٍ وأُحدٍ، وشهد الخندق، وهي أوّلُ غزواته مع رسول الله ﷺ، وكان قد سافر يَطلبُ الدِّين مع قومٍ، فغَدروا به وباعوه، وتقلَّبتْ به أحوالٌ عجيبة، وأهوالُ غريبة، وولاه عمر رضوان الله عليه المدائن.
وحكى الواقدي عن أشياخه، عن سلمان الفارسيِّ قال: كنتُ أنطلقُ مع غِلمان من قريتنا إلى جبلٍ فيه كَهفٌ، فانطلقتُ وَحدي يومًا، فإذا في الكهف رجل طويل، عليه ثيابٌ من الشَّعر، فأشار إليَّ، فدنَوتُ منه فقال: يا غُلام، أتعرفُ عيسى بنَ مريم؟ قلتُ: لا، قال: بلى هو رسول الله، فآمِنْ بالله ورسوله، وبرسول يأتي من بعده اسمُه أحمد، يُخرجُه (١) الله من غَمِّ الدُّنيا إلى رَوح الآخرة ونعيمها، قلت: وما نَعيمُ الآخرة؟ قال: نعيمٌ لا يَفنى.
فرأيتُ النُّورَ يَخرج من شَفته، فعَلِقَه فؤادي، فكان أوَّل ما علَّمني الشَّهادة، فقال: قل أشهد أن لا إله إلَّا الله، وأن عيسى روحُ الله وكلمتُه ألقاها إلى مريم، ورسولُه، ومحمّدٌ رسولُه بعده، وأن الإيمانَ بالبَعْثِ حقُّ، وكذا الجنة والنار، ثم قال: إن أدركتَ محمدًا - فإنَّه يَخرجُ من جبال تِهامة- فأقرِئْه مني السَّلامَ، وقل: وصيُّ عيسى يُسلِّم عليك.
وقال رسول الله ﷺ: سلمانُ سابِقُ الفُرس، وخطّ رسول الله ﷺ الخندقَ، وقطع لكل عشرةٍ أربعين ذِراعًا، فاحتجَّ المهاجرون والأنصار في سلمان، وكان رجلًا قويًّا، فقال المهاجرون: سلمانُ منّا، وقال الأنصار: لا بل منّا، فقال رسول الله ﷺ:"سلمانُ منّا أهل البيت".
وآخى رسول الله ﷺ بين سلمان وأبي الدرداء، وقيل: بينه وبين حُذيفة.
وذهب أبو الدرداء مع سلمان يَخطُب عليه امرأةً من بني ليث، فدخل فذكر فضلَ سلمان، وسابقتَه وإسلامَه، وأنه يَحْطب إليهم فتاتهم فلانة، فقالوا: أما سلمان فلا نُزَوِّجه، ولكنا نُزَوِّجُك، فتزوَّجها، ثم خرج فقال: إنه قد كان شيءٌ، وإني أستحيي أن أذكره، قال: وما ذاك؟ فأخبره الخبر، فقال سلمان: فأنا أحقُّ أن أستحيي منك، أن أخطُبَها وكان الله تعالى قد قضاها لك.
(١) في تاريخ دمشق ٧/ ٣٩٤ (مصورة دار البشير): أخرجه.