القيامة، يا جرير، هل تَدري ما الظُّلُمات يوم القيامة؟ قلتُ: لا، قال: ظُلمُ النَّاس فيما بينهم في الدُّنيا، ثم أخذ عُودًا لا أكاد أراه بين أُصبعَيه وقال: يا جرير، لو طَلبتَ في الجنة مثلَ هذا العُود لم تجدْه، قلت: أبا عبد الله، فأين النَّخلُ والشَّجَرُ؟ قال: أُصولُها اللؤلؤ والذهب، وأعلاها الثَّمر.
دخل سعد بنُ أبي وَقَّاص على سلمان يَعودُه، فبكى سلمان، فقال له سعد ﵁: ما يُبكيك يا أبا عبد الله؟ تُوفّي رسولُ الله ﷺ وهو عنك راضٍ، وتَرِدُ عليه الحوضَ، قال سلمان: والله ما أبكي جَزَعًا من الموت، ولا حِرْصًا على الدُّنيا، ولكنّ رسول الله ﷺ عَهِد إلينا عَهْدًا فقال:"لتَكُنْ بُلْغةُ أحدكم من الدُّنيا مثل زادِ الرّاكب"، وحَولي هذه الأساوِد، وإنّما حوله جَفنةٌ أو مَطهرة أو إجّانة، فقال له سعد: يا أبا عبد الله، اعهَدْ إلينا بعهد نأخُذُ به بعدك، فقال: يا سعد، اذكُر الله عند هَمِّك إذا هَمَمتَ، وعند حُكمك إذا حَكَمْتَ وعند يدك إذا قَسمتَ، والأمير يومئذٍ سع ﵁، فلما مات نظروا في بيته فلم يَرَوا فيه إلَّا إكافًا ووطِاءً، ومَتَاعًا قُوِّمَ نحوًا من خمسةَ عشر دِرهمًا.
ولما حضرت سلمانَ الوَفاةُ قال لصاحبةِ منزله: هَلُمِّي خَبيئك الذي استَخبأتُك، فجاءت بصُرَّة مِسْك، فقال: ائتيني بقَدَحٍ فيه ماء، فنثر المسك فيه، ثم ماثَه بيده، ثم قال: انضَحِيه حَولي فإنَّه يَحضُرني خَلْقٌ من خَلْق الله تعالى، يَجدون الريحَ ولا يأكلون الطَّعام، ثم اجْفَئي عليَّ الباب وانزلي، ففعلت وجلست هنيهة، ثم صعِدت فإذا هو قد مات.
وعاش مئتين وخمسين سنة، لا يَشكُّون في هذا، ويقول بعضهم: ثلاث مئة وخمسين سنة.
ومات بالمدائن في عِلِّيّةٍ لأبي قرَّةَ الكِندي.
قال سلمان لعبد الله بن سلام: يا أخي؛ أيّنا مات قبل صاحبه فليَتَراءى له، قال ابن سلام: أوَ يكون ذلك؟ قال: نعم، إن نَسَمةَ المؤمن مُخَلّاة تذهب في الأرض حيث شاءت، ونَسَمةُ الكافر في سجّين. فمات سلمان، قال عبد الله بن سلام: فبينا أنا ذات يوم قائل نصفَ النهار على سرير لي، فأغفيتُ إغفاءةً، إذ جاء سلمان فقال: السَّلام عليكم ورحمة الله، فقلتُ: أبا عبد الله، كيف وَجَدتَ مَنزلك؟ قال: خيرًا، وعليك