وابنُ الخطاب حيٌّ فلا، ألا وإني آخذٌ بحُجَز قُريش أن يتهافتوا في النار.
وقال سيف فيما رواه عن محمد وطلحة: فلما قام عثمان لم يَأخُذهم بما كان يَأخُذهم به عمر، فانساحوا في البلاد، فلما رَأَوْها ورَأوا سَعَةَ البلاد ورآهم الناس، انقطع [إليهم] مَن لم يكن له طَولٌ ولا مَزِيَّة في الإسلام، فصاروا أوزاعًا، فكان ذلك أوّل وَهْنٍ دخل في الإسلام، وأوّل فتنةٍ كانت في العامّة.
وحكى سيف، عن عمرو، عن الشعبي قال: لم يَمُتْ عمر حتى مَلَّته قريش، وكان قد حَصَرهم في المدينة وقال: أخوف ما [أخافُ] على هذه الأمة الانتشار في البلاد، فلما وَلي عثمان خَلّى سبيلَهم، فانفسحوا في البلاد، وانقطع إليهم الناس، فكان أحبَّ إليهم من عمر، فلم تمض سنةٌ من إمارة عثمان حتى اتَّخذ رجالٌ من قريش أموالًا في الأمصار، وانقطع إليهم الناس، وثبتوا على الأمر الأوّل سبعَ سنين، كلّ يوم يُحبُّون أن يَليَ صاحبُهم، ثم أسلم ابنُ السَّوداء، وتكلَّم وقد فاضَتِ الدّنيا، وطلعت الأحداثُ على يديه، فاستطالوا عُمْرَ عثمان.
وقال سيف بإسناده: أوَّلُ مُنكَرٍ ظهر بالمدينة حين فاضت الدنيا طَيرانُ الحمام، والرَّميُ بالجُلاهِقات (١)، فاستعمل عثمان رجلًا من بني لَيث في سنة ثمانٍ، فقصَّ الحمام وكسر الجُلاهِقات، وكَثُرت الأحداثُ كشرب النّبيذ وغيره، فكان عثمان يُسَيِّر من المدينة مَن أحدث حَدَثًا، فقال الناس: ما أحدثَ التَّسييرَ إلا [أن] رسول الله ﷺ سَيَّر الحكم بن أبي العاص، وبلغ عثمان فصَعِد المنبر وقال: يا أهل المدينة، أنتم أَصلُ الإسلام، وإنما يَفسدُ الناسُ بفسادكم، ويَصلحون بصلاحكم، والله لا يَبلغني عن أحدٍ منكم أنه أحدث حَدَثًا إلا سَيَّرتُه، وأما الحكم فإنه كان مَكيًّا، فسيَّره رسول الله ﷺ إلى الطائف، [ثم ردَّه] إلى بلده، وقد سَيّر الخلفاءُ بعده.
قال سيف، عن عبد الله بن سعيد بن ثابت ويحيى بن سعيد قالا: سُئل سعيد بن المسيّب فقيل له: ما دعا محمد بن أبي حذيفة إلى الخروج على عثمان، وقد كان يتيمًا في حِجْره، وكان عثمان واليَ [أيتام] أهل بيته، ومُحتمِلَ كَلِّهم؟! فقال: سأل عثمانَ
(١) الطين الأملس المدوَّر، والبندق الذي يرمى به، وقوس الْبندق.