للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأما عبد الله الأصغر بن صفوان فكان من المطعِمين أيضًا، وكان سيدًا، قال الزبير: وَفد على معاوية، وكانت أمُّ حَبيب بنت أبي سفيان أختُ معاوية أمَّ عبد الرحمن بن صفوان بن أمية، وكان معاوية يُقدّم عبد الله بن صفوان على أخيه عبد الرحمن بن صفوان، فلامتْه أمُّ حبيب في تقديم عبد الله على ابنها فقال: سوف تَرَين، واستدعى ابنَها عبد الرحمن وهي حاضرة، فقال له: ما حاجتُك؟ فذكر دينًا وحوائجَ لنفسه، فقضاها، ثم أذِن لأخيه عبد الله بن صفوان فدخل، فقال: ارفع إليَّ حوائجَك، فقال: تُخرِج العطاء، وتنظُر في أحوال المنقَطِعين فتفرض لهم، وتنظر في أبناء المهاجرين والأنصار، وتفعل وتفعل، فقال: فهلُمَّ حوائجَك، فغضب وقال: وأي حاجةٍ لي إليك غير هذا وأشباهِه، وقد علمتَ أني أغنى قريش، ثم قام وخرج، فقال معاوية لأُخته: كيف رأيتِ؟ فقالت: أنت أعرف بقومك.

وعبد الرحمن الأكبر هو الذي روى عن رسول الله أنه استعار من أبيه أدراعًا.

وأما حكيم بن صفوان بن أُمية فابنُه يحيى بن حكيم، ولي مكة ليزيد بن معاوية، وكان ابن الزبير بها، فلم يَعرض له يحيى، فعزله يزيد وولّى الحارث، فمنعه ابن الزبير الصلاة (١).

قلت: وقد روى ابن أبي الدنيا عن صفوان بن أمية حكاية فقال حُدّثتُ عن سعيد بن محمد الجَرمي بإسناده، عن الشعبي قال: كان صفوان بن أمية ببعض المقابر، فإذا شُعَل نيرانٍ قد أقبلت ومعها جنازة، فلما دَنَوا من المقبرة قال: انظروا قبرَ كذا وكذا، قال: وسمع رجلٌ صوتًا من القبر حزينًا مُوجَعًا يقول: [من الخفيف]:

أنعَمَ اللهُ بالظَّعينةِ عَينا … وبمَسْراكِ يا أُمَينَ إلينا

جَزعًا ما جَزِعْتُ من ظُلمةِ القبْـ … ـرِ ومن مَسِّك التُّراب أمينا

قال: فأخبر القومَ بما سمع، فبكوا حتى أخضَلوا لِحاهم، ثم قالوا: هل تَدري من أُمَينة؟ قلت: لا، قالوا: صاحبةُ هذا السَّرير، هذه أختها ماتت عامَ أوَّل، فقال صفوان: قد علمتُ أن الميت لا يَتكلَّم، فمن أين هذا الصَّوت (٢).


(١) نسب قريش ٣٨٩ - ٣٩١، والتبيين ٤٥٤ - ٤٥٦.
(٢) هواتف الجنّان (٥٨)، وتاريخ دمشق ٨/ ٣٢٦ (مخطوط).