للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

إسرائيل ترفعهم وتضعهم حتَّى يبعثوا حكَمين يحكمان حُكمًا لا يرضى به أحد الفريقين، وهذه الأمة كذلك، فقال له سُويد بن غَفَلة: فإن أدركتَ ذلك الزمان فاحذرْ أن تكون أحد الحَكَمين، فقال: لا جعل الله لي في الأرض مَقعدًا إن فعلتُه، فلما حكم أبو (١) موسى لقيه سُويد فقال: أتذكر كذا وكذا، فقال: اسأل الله العافية.

قلت: وقد أخرج هذا المعنى أبو القاسم بن عساكر في "تاريخه" مرفوعًا إلى سُويد بن غَفَلة قال: سمعت أبا موسى يقول: سمعتُ رسول الله يقول: "يكون في هذه الأمة حَكَمان ضالّان؛ ضل من اتَّبعهما". قال سُويد: فقلت له: احذَرْ أن تكون أحدهما، قال: فوالله ما مات حتَّى رأيتُه أحدهما (٢).

قالوا: وهذا الحديث لا يصحُّ مرفوعًا، وإنما هو موقوف على أبي موسى.

قالوا: وجاء أبو موسى، فدخل عسكر أمير المؤمنين، فولَّوه الأمر فقبله، ورضوا به، وجاء الأحنف بن قيس إلى علي فقال: يا أمير المؤمنين، إنك قد رُميتَ بحجَر أهل الأرض، وداهية العرب، وبمن حارب الله ورسولَه، وإني قد عَجَمْتُ هذا الرجلَ، وحلبتُ أشطُرَه -يعني أبا موسى- فوجدتُه كَليلَ الشَّفرة، قريبَ القَعْر، وإنه لا يَصلحُ لهذا الأمر إلا رجل يَدنو من صاحبه حتَّى يكون في كفّه، ويَبعد عنه حتَّى يكون بمكان النجم منه، فإن شئتَ أن تجعلني حكَمًا فافعل، وإلا فاجعلني ثانيًا أو ثالثًا؛ فإنه لن يَعقِد عُقدةً إلا حَلَلْتُها، ولن يَحلَّ عُقدةً إلا عقدتُ له أخرى، فإن قلتَ: إني لستُ من أصحاب رسول الله ؛ فاجعلني وزيرًا ومُشيرًا.

فقال علي: إن القوم قد أبَوا إلا أبا موسى، والله بالغُ أمرِه.

فقال الأحنف للناس: قد أبيتُم إلا عبدَ (٣) الله بنَ قيس؟! فأدفِئوا ظهرَه بالرِّجال، فقال أيمن بن خريم الأسدي من أهل الشام وكان معتزلا للفريقين: [من البسيط]

لو كان للقوم رأيٌ يهتدون به … بعد القضاءِ رَمَوكم بابن عبَّاسِ


(١) في (خ) و (ع): أبي، والخبر في مروج الذهب ٤/ ٣٨٣ - ٣٨٤.
(٢) تاريخ دمشق ٣٦/ ٣٨٢ وأخرجه من طريق الطبراني، ثم نقل عنه قوله: هذا عندي باطل. وانظر مجمع الزوائد ٧/ ٤٩٢ - ٤٩٣.
(٣) في (خ) و (ع): أبا عبد الله، وهو خطأ.