للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فلما قرأ كتابهم يَئس منهم، ورأى أن يَدَعهم ويمضي بالناس إلى الشام، فيناجز معاوية وأهل الشام، فعسكر بالنُّخَيلَة، ثم خطب فقال: أما بعد، فإن مَن ترك الجهاد في الله، وداهن في أمره؛ كان على شفا هَلَكَة، إلا أن يَتداركَه الله ﷿ بنعمته، فقاتلوا من حادَّ اللهَ ورسولَه، وحاول أن يُطفئ نورَ الله، فقاتلوا الخاطئين الضالّين، الفاسقين الناكثين الغادرين، الذين ليسوا بقُرَّاء القرآن، ولا فقهاء في الدين، ولا علماء بالتأويل، ولا لهذا الأمر بأهل في سابقة ولا إسلام، والله لو وَلُوا عليكم لعملوا فيكم بأعمال كسرى وهرقل، فهيِّئوا للتَّشْمير (١) إلى عدوكم.

ثم بعث إلى جميع الأمصار ليَقدموا عليه، فلما قدم كتابُه على ابن عباس قام فخطب بالبصرة، وأمرهم بالشخوص مع الأحنف بن قيس، فشَخص منهم ألف وخمس مئة، فقال ابن عباس: ويلكم يا أهل البصرة، جاءني أمرُ أمير المؤمنين بإشخاصكم، فنفر منكم ألف وخمس مئة، وأنتم ستون ألف مقاتل سوى أبنائكم وعبدانكم ومواليكم؟! ألا انفروا (٢) مع جارية بن قُدامةَ السَّعدي، ولا يَجعلنّ رجلٌ على نفسه سبيلًا، فإني مُوقِعٌ بكل مَن وجدتُه متخلِّفًا عن دعوته، عاصيًا لإمامته، ولأفعلنّ ولأصنعن.

وخرج جارية فعسكر بظاهر البصرة، وحشد أبو الأسود الناس، فاجتمع إلى جارية ألف وسبع مئة، ثم صاروا ثلاثة آلاف ومئتي رجل.

وقال هشام: بعث علي إلى ابن عباس بكتابه مع عُتبة بن الأَخْنَس بن قَيس، فأمره بتجهيز الجيوش … وذكره.

ثم أقبل جارية حتَّى وافى أمير المؤمنين بالنُّخَيلَة، فقام علي خطيبًا فقال: يا أهل الكوفة، أنتم أنصاري وإخواني، وأعواني على الحق، وبكم أضربُ المُدْبِر، وأرجو تمامَ طاعة المُقْبِل، وقد استنفرتُ أهلَ البصرة، فلم يأتني سوى ثلاثة آلاف رجل ومئتي رجل، فأعينوني بمُناصَحَةٍ خَلِيَّةٍ من الغشّ، إنكم عند مخرجنا إلى صفين ستجمعوا بأجمعكم (٣)، وأن تكتبوا إلي بعشائركم وأموالكم، يفعل ذلك كلّ رئيس منكم.


(١) كذا، وفي الطبري ٥/ ٧٨: تهيئوا للمسير إلى عدوكم.
(٢) في (خ): إلا تنفروا، والمثبت من الطبري ٥/ ٧٩.
(٣) كذا، وفي الطبري ٥/ ٧٩: إنكم … مخرجنا إلى صفين، بل استجمعوا بأجمعكم. اهـ. ومكان النقاط بياض =