للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وكتب زياد إلى أمير المؤمنين: أما بعد؛ فإن ابن الحَضْرَميّ قدم من الشام، فنزل في بني تميم، ونَعى ابن عفَّان، ودعا إلى الحرب، وبايعته تميم وأهل البصرة، ولم يبق معي مَن أمتنع به، واستجرتُ بصَبِرة بن شَيمان فأجارني وبيتَ المال، فنزلت فيهم، وشيعةُ عثمان يختلفون إلى ابن الحَضْرمي، والسلام.

فبعث أمير المؤمنين أعين بن ضُبَيعَة المجاشعيّ لتفريق قومه عن ابن الحَضْرمي، وقال له: إن تفرَّقوا عن ابن الحضرمي وإلا فجاهدْهم، فإن رأيتَ ممن قِبَلَك تثاقلًا فاصبر، وطاولْهم حتَّى تأتيَك جنودُ الله تعالى.

فقدم أعين، فنزل عند زياد، وأتى قومَه، وجمع رجالًا، ونهض إلى ابن الحضرمي، فدعاهم فشتموه، فانصرف عنهم، فدخلوا عليه قوم فقتلوه غِيلَةً وهو على فراشه، فأراد زياد قتالهم، فكرهت الأزْد ذلك وقالوا: إن تعرَّضوا لجارِنا منعناه، وإن كَفُّوا عنا فما لنا حاجةٌ في قتالهم.

فكتب زياد إلى علي يُخبِره بقتل أعين وما جرى، فبعث أمير المؤمنين جارِية بنَ قُدامة في خمسين رجلًا من بني تميم، وشريك بن الأعور في خمس مئة، وكتب إلى زياد يُصوِّب رأيَه فيما صنع، ويأمره بمعونة جارية بن قُدامة، والإشارةِ عليه، فقدم البَصرة، فنزل على زياد، فقال له زياد: احذَرْ أن يُصيبك ما أصاب صاحبَك، ولا تَثقَنّ بأحدٍ منهم.

فسار جارية إلى قومه، فقرأ عليهم كتابَ أمير المؤمنين، ووعدهم فأجابه أكثرهم، فسار جارية إلى ابن الحَضْرَميّ، فحصره في دار سُنَيبْل (١)، وأحرق عليه الدار وعلى مَن معه؛ وكانوا سبعين رجلًا - ويقال أربعون - وتفرَّق الناس، ورجع زياد إلى دار الإمارة (٢). وهذا قول الطبري.

وقال هشام بن محمد عن أبيه: إنما بعث أمير المؤمنين جارية بن قُدامة في أربعة آلاف فارس، وكان ابن الحَضْرميّ قد استولى على البصرة، واتَّبعه أكثرُ أهلها، فحصره جارية في بعض دُور أهل البصرة، وقال له: اخرج فأبى، وتفرَّق القوم عنه، فأحرقه


(١) في (خ) و (ع): ابن سنيبل، وسيأتي على الصواب في الصفحة ٣٧٠، وانظر تاريخ الطبري ٥/ ١١٢.
(٢) في (خ) و (ع) زيادة: وقيل كانوا سبعين. وانظر المنتظم ٥/ ١٥٢ - ١٥٣، وأنساب الأشراف ٢/ ٣٠٨ - ٣١١.