للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وثلاثين سار معاوية بنفسه حتَّى شارف دجلة ثم نَكَص راجعًا، وذكره أبو معشر أيضًا (١).

وقد ذكرنا أن أمير المؤمنين وَجّه زيادًا إلى فارس فيما تقدَّم، بعد حريق ابن الحَضَرَمي لما اختلف الناس على علي ، وأخرجوا عُمَّاله.

وقال عمر بن شَبَّة: إنما كان ذلك في سنة تسع وثلاثين لما امتنع أهل فارس من الخراج، فاستشار على من يوليه، فقال له جارية بن قدامة: ألا أدلك على رجلٍ صليب الرأي، عالم بالسياسة، كافٍ لما ولَي؛ قال: من هو؟ قال: زياد بن أبيه، فقال: هو لها، فسار في أربعة آلاف إلى فارس وكرمانًا؛ فدوَّخ تلك البلاد فاستقاموا.

وقال الشعبي: أن الَّذي أشار بتولية زياد عبد الله بن عباس، وكأن زياد مقيمًا بالبصرة، وكان ابن عباس قد قدم على أمير المؤمنين الكوفة، فاستشاره فأشار عليه بزياد، فقال له علي: إذا وصلت البصرة فولِّه، فولّاه، وقد أشرنا إليه فيما تقدّم.

قال عمر بن شَبَّه، عن أشياخه: دخل زياد بلاد فارس وهي تضطرم نارًا، فلم يزل بهم بالمُداراة حتَّى عادوا إلى ما كانوا عليه من الطاعة والاستقامة، لم يقف موقفًا واحدًا للحرب، وكان أهل فارس يقولون: ما رأينا سيرةً أشبة بسيرة كسرى أنو شِروان من سيرة هذا العربي في اللين والمداراة، والعلم بما يأتي.

قال: ولما قدم زياد فارس بعث إلى رؤسائها، فوعد من نصره ومَنَّاه، وخوّف قومًا وتوعَّدهم، وضرب بعضهم ببعض، ودل بعضهم على عورة بعض، فدانت له البلاد، وأتى إلى اصطَخْر فنزل بها، وحصَّن بها قلعة زياد، وحمل إليها الأموال، ثم تحصّن فيها بعد ذلك منصور اليَشْكُري، وهي اليوم تُسمّى قلعةَ منصور.

واختلفوا فيمن حجّ بالناس في هذه السنة، فقال قوم: عبد الله بن عباس، وبعث معاوية يزيد بن شَجَرة الرُّهاوي ليَحجّ بالناس، فتنازعا، ثم أصطلحا على شَيبة بن عُثمان الحَجَبي، فصَلّى بالناس، ووقف بهم.

وقال هشام والواقدي: لم يشهد عبد الله بن عباس في أيام علي الموسم، ولا حجّ بالناس.


(١) تاريخ الطبري ٥/ ١٣٥ - ١٣٦.