ألتفتُ إليها حتى تلقاني جدارُ بني خُدْرَة، فهشم وجهي، وسال الدم، فأتيت النبي ﷺ وأنا على تلك الحالة، فقال:"مَهُيَم؟ "، فأخبرتُه فقال:"لا تَعُدْ، فإن الله إذا أراد بعبدٍ خيرًا عَجَّلَ له عُقوبتَه في الدنيا".
قال: ثم مرَّ بي رسول الله ﷺ بعد ليالٍ وأنا جالس مع شَوابّ من شَوابّ أهل المدينة، يُناشِدْنَني ويُضاحِكُنَني ويُمازِحْنَني، فمضى ولم يقل شيئًا، فلما أن كان من الغد غَدوتُ عليه فقال:"يا خَوَّات، أما آن لذلك البعير أن يَرجعَ عن شُروده؟ " قال: قلت: والله يا رسول الله ما شَرد منذ أسلم، قال:"صدقت، ولكن لا تَعُدْ إلى ذلك المجلس؛ فإنه مَجلسُ الشيطان".
ومعنى الحديث أن النبي ﷺ لامه على مُجالسة النِّساء.
وأنبأنا غير واحد عن إسماعيل بن أحمد بإسناده عن وهب بن جرير، عن أبيه قال: سمعتُ زيد بن أسلم يحدِّث: أن خَوَّات بنَ جُبَير قال: خرجتُ مع رسول الله ﷺ، مَرَّ الظَّهران، فخرجتُ من خِبائي، فإذا نِسوةٌ يتحدَّثْن فأعحَبْنَني، فأخرجتُ حُلَّةً لي من عَيبتي فلبستُها، ثم جلستُ إليهنّ، فخرج رسول الله ﷺ من قُبَّته فقال:"أبا عبد الله، ما يُجِلسُك إليهن؟ " قال: فهِبتُ رسولَ الله ﷺ فقلتُ: يا رسول الله، جَملٌ لي شَرُود أبتغي له قَيدًا.
قال: فمضى رسول الله ﷺ، ودخل الأراك فقضى حاجتَه، وخرج فتوضّأ ثم قال:"أبا عبد الله، ما فعل شِراد جَملك؟ "
قال: فتعجَّلْتُ إلى المدينة، واجتنبتُ دخولَ المسجد ومُجالسةَ رسول الله ﷺ، فلما طال ذلك عليَّ تحيَّنْتُ ساعة خلوة المسجد، فجعلتُ أصلّي، وخرج رسول الله ﷺ من بعض حُجَر نِسائه، فصلّى ركعتَين خفيفتين، ثم جلس، وطَوَّلْتُ رجاءَ أن يَذهبَ ويَدَعني، فقال:"طَوِّل أبا عبد الله ما شئتَ، فلستُ ببارحٍ حتى تَنصرف"، فقلت: السلام عليك يا رسول الله، فقال:"أبا عبد الله ما فعل شِرادُ جَملك، أو ما فَعل شِرادُك؟ " فقلت: والذي بعثك بالحق ما شَرَد ذلك الجمل منذ أسلمتُ، فقال:"رحمك الله" مَرّتين أو ثلاثًا، ثم أمسك عنّي فلم يَعُدْ (١).