للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والثاني: أنه كان سجودًا على الحقيقة لآدم، قاله مجاهد.

والثالث: أنه جعل آدم قبلةً لهم وسجودهم لله تعالى، كما جُعلت الكعبة قبلةً لصلاة المؤمنين، والصّلاة لله رب العالمين.

وقال ابن مسعود: سجدت الملائكة لآدم، وسجد هو لله تعالى.

وقال أبيُّ بن كعب: معنى سجودهم أنَّهم أقرُّوا لآدم أنه خير وأكرم على الله منهم.

وحدثنا يحيى بن الأَوَاني، بإسناده عن ضمرة بن ربيعة، عن قادم بن مسور قال: قال عمر بن عبد العزيز: لمّا أمر الله الملائكة بالسُّجود لآدم أوَّل من سجد له إسرافيل، فأثابه الله بأن كتب القرآن في جبهته (١).

قوله تعالى: ﴿إلا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ﴾ [البقرة: ٣٤] أي: امتنع وتعظَّم، و"كان" بمعنى صار في علم الله أنه من الذين وجبت عليهم الشقاوة.

وقال السُّدي: لما امتنع إبليس من السجود قال له الله: ما منعك أن تسجد له؟ قال: أنا خير منه. قال: بماذا؟ قال: ﴿خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ﴾ [الأعراف: ١٢] ألستُ الذي استخلفتني في الأرض، وجعلتني حاكمًا عليها وعلى الملائكة، وألبستني الرِّيش، ووشَّحتني بالنور، وتوجتني بالكرامة، وجعلتني خازن السماوات، وعبدتك ثمانين ألف سنة، وكنت من المقرَّبين؟ فقال الله تعالى: ﴿قَال فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ (٣٤) وَإِنَّ عَلَيكَ اللَّعْنَةَ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ﴾ وقال ﴿فَأَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (٣٦) قَال فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ﴾ [الحجر: ٣٤ - ٣٥ - ٣٦ - ٣٧].

وقال ابن عباس: قال الله له: ﴿مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ﴾ [ص: ٧٥] منهم من أجراه على ظاهره، ومنهم من قال: يد القدرة. وقال أبو إسحاق الثَّعلبي: بإسناده عن أبي صالح، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله : "إذا قَرأَ ابنُ آدَمَ السَّجدَةَ وسَجدَ اعتزَلَ الشَّيطانُ يَبكِي ويقُولُ: يا وَيلَهُ أُمِرَ ابنُ آدَمَ بالسُّجُودِ فَسجَدَ، فله الجنَّةُ، وأمِرتُ بالسُّجُود فأبَيتُ فليَ النَّارُ" (٢).


(١) وأخرجه ابن الجوزي في "المنتظم" ١/ ٢٠٣، وسلف ص ٢١٦ من هذا الجزء.
(٢) أخرجه مسلم (٨١).