للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وهو عاملُه على الكوفة: أن ادعُ مَن قِبَلِك من الشعراء، فاستنشدهم ما قالوا من الشعر في الجاهلية والإسلام، ثمّ اكتُب إليّ بذلك.

فدعاهم المغيرة، فقال للييد بن ربيعة: انشِدْني ما قلتَ من الشعر في الجاهلية والإسلام، فقال: قد أبدلني الله سورةَ البقرة، وسورة آل عمران، وقال للأَغْلَب العِجْلِيّ: أنشِدْني فقال: [من الرجز]

أَرَجَزًا تُريد أم قَصِيدا … لقد سألتَ هَيِّنًا مَوجودا

فكتب المغيرة إلى عمر بذلك، فكتب إليه: أن انقص الأغلب خمس مئة من عطائه، وزِدْها في عطاء لبيد، فرحل إليه الأغْلب فقال: يا أمير المؤمنين، أتَنقُصني وقد أطعتك؟! فكتب عمر إلى المغيرة: أن رُدَّ على الأغلب الخمس مئة، وأقْرِرها في عطاء لبيد (١).

وقال أبو عبيدة مَعْمَر: لم يقل لَبيد في الإسلام بعد ما أسلم إلا بيتًا واحدًا، وهو هذا: [من البسيط]

الحمدُ لله إذْ (٢) لم يَأتِني أَجَلي … حتى لَبِسْتُ من الإسلامِ سِرْبالا

وقال عمر بن شَبَّة: كان لبيد من أجواد العرب، وكان قد آلى أن [لا] تَهُبَّ الصَّبا إلا أطعم، وكان له جَفْنتان يُغْدا بهما ويُراح في كلِّ يومٍ على مسجد قومه، فهَبَّت الصَّبا يومًا -والوليد بن عُقْبَة بن أبي مُعَيط عامل عثمان على الكوفة، فصَعد الوليد المنبر وقال: إن أخاكم لَبيد بنَ ربيعة نَذر في الجاهلية أن لا تَهُبَّ الصَّبا إلا أطعم، وهذا يومٌ قد هَبَّت فيه الصَّبا، فأعينوه، وأنا أوّل مَن فعل ذلك، ثم نزل عن المنبر، وأرسل إلى لبيد بمئة ناقة، وكتب إليه الوليد هذه الأبيات: [من الوافر]

أرى الجَزَّارَ يَشْحَذُ شَفْرَتَيهِ … إذا هَبَّتْ رِياحُ أبي عَقيلِ


(١) طبقات ابن سعد ٦/ ١٩٢ - ١٩٣، وطبقات فحول الشعراء ١٣٥ - ١٣٦، والأغاني ١٥/ ٣٦٩ - ٣٧٠.
(٢) في (خ) و (ع): الذي، والمثبت من الأغاني ١٥/ ٣٦٩، والمنتظم ٥/ ١٧٩، وانظر الاستيعاب (٢٢٣٣)، والشعراء ٢٧٥.