للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قلت: وقد ذكرنا مثلَ هذا في ترجمة عمرو بن عبيد، ولعلَّه حكاه عنه.

وعُتْبَة أبو الوليدِ بنِ عُتبة؛ حكى ابن أبي الدنيا عن الوليد بن عتبة قال (١): أَسرَّ معاويةُ إليَّ حديثًا، فقلتُ لأبي: يا أَبَة، قد أسرَّ إليَّ أميرُ المؤمنين حديثًا، وما أظنُّه ينطوي عنك، فقال: اكتُمه عني، فإنَّ مَنْ كتم سِرَّه كان الخيارُ له، ومن أفشاه كان الخيارُ عليه. فأتيتُ معاوية فحدَّثتُه فقال: أعتقَك أخي من رِقِّ الخطأ.

وقال ابن قُتيبة (٢): كان عُتبةُ يَعِظُ بنيه دائمًا فيقول: تلقَّوا النِّعَم بحُسْنِ مجاورتها، والتمسوا المزيدَ منها بالشكرِ عليها، واعلموا أنَّ النفوسَ أقبلُ شيءٍ لِما أُعطيت، فاحملوها على مطاياها إذا ركبتم لا تُسبق. فقيل له: وما هذه المطايا؟ قال: التوبةُ.

وقال أبو حاتم: أَوصى عتبةُ بنُ أبي سفيان مؤدِّبَ ولده فقال: ليكن أَوَّلَ إصلاحك بَنيَّ إصلاحُك لنفسك، فإِن عيوبَهم معقود بعَيبك، فالحَسَن عندهم ما فَعَلْتَ، والقبيحُ ما تركْتَ، وعلِّمهم كتابَ الله، ولا تُمِلَّهم فيتركوا (٣)، ولا تدعهم منه فيهجروا. ورَوِّهِمْ من الحديثِ أشرفَه، ومن الشِّعْرِ أَعَفَّه، ولا تُخْرِجْهم من بابٍ من العلم إلى غيره حتى يُحكموه، فإن ازدحامَ الكلامِ في السمعِ مَضَلَّة للفهم، وهَدِّدْهم بي وأَدِّبْهم [دوني] وكُنْ لهم كالطبيبِ الرفيقِ الذي لا يَعْجَلُ بالدواء حتى يعرفَ الداء، وامْنَعْهم من محادثةِ النساء، واشْغَلْهُم بِسِيَرِ الحكماء، واستزدْني بآدابهم أَزِدْكَ، ولا تَتَّكِلَنَّ على عُذْرٍ مني، فقد اتَّكَلْتُ على كفايةٍ منك.

وقال أبو عبيد القاسم: مات عتبة بنُ أبي سفيان سنة أربع وأربعين.

وفيها توفيت أُختُه أُمُّ حَبِيبة بنت أبي سفيان (٤).


(١) الصمت لابن أبي الدنيا ص ٤٧ - ٤٨، وأخرجه من طريقه ابن عساكر في "تاريخه" ٤٥/ ١٢٣.
(٢) أخرجه من طريقه ابن عساكر في "تاريخ دمشق" ٤٥/ ١٢٣.
(٣) في "تاريخ دمشق" ٤٥/ ١٢٤: فيكرهوا. وما سيرد بين حاصرتين منه.
(٤) كذا وقعت العبارة، وقد سلفت ترجمتها قبل ترجمة أخيها عُتبة.