للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وحكى ابن سعد عن الواقديِّ (١) قال: كان زيدٌ يكتب الكتابَين: العربية والعبرانية جميعًا، وأول مشهدٍ شهده زيدٌ مع رسولِ الله الخندقُ، وهو ابن خمس عشرة سنةً، وكان مِمَّن ينقلُ التراب يومئذٍ مع المسلمين، فقال رسولُ الله : "أما إنَّه نِعمَ الغُلامُ".

وغلبته عيناهُ يومئذٍ، فرقَدَ، فجاء عُمارةُ بن حَزْم، فأخذ سلاحَه وهو لا يشعر، فقال له رسولُ الله : "يا أبا رُقاد، نِمْتَ حتى ذهبَ سلاحُك! ".

وقال رسولُ الله : "مَنْ له علمٌ بسلاحِ هذا الغُلامِ؟ " فقال عُمارةُ بن حَزم: أنا. فردَّه، فنهى رسولُ اللهِ أن يُروَّعَ المؤمنُ، أو أن يؤخذَ متاعُه لاعبًا جدًّا (٢).

قال: وكانت رايةُ بني مالك بن النجَّار يومَ تبوك مع عُمارة بن حَزْم، فأدركَه رسولُ الله ، فأخذَها منه، فدفعَها إلى زيد بن ثابت، فقال عُمارةُ: يا رسولَ الله، بلغَك عني شيء؟ فقال: لا، ولكنَّ القُرآنَ يُقَدَّمُ. وكان زيدٌ أَكثر أَخْذًا منك للقرآن (٣).

وقال هشام: قال له رسولُ الله : "يا زيدُ، إنه يأتيني كُتُبٌ بالعبرانية والفارسية والرومية والقِبطية، ولا أُحبُّ أن يقرأَها كلُّ أحد، فتعلَّمْ هذه اللغات". قال: فأتقنها في ثمان عشرة ليلةً. فعجبتِ الصحابةُ منه.

وقد أخرج أحمد في "المسند" بمعناه، ولم يذكر غيرَ السريانية، وأنَّه حفظها في سبعَ عشرةَ ليلة (٤).

وقد ذكرنا في السنة الثانيةَ عشرةَ أن أبا بكر أمره أن يجمعَ القُرآنَ، فجمعه.

وحكى ابن سعدٍ عن نافع أنَّ عمر بنَ الخطاب استعمل زيدًا على القضاء، وفرضَ له رِزْقًا (٥).


(١) المصدر السابق ٥/ ٣٠٩.
(٢) كذا في "طبقات" ابن سعد ٥/ ٣٠٩، و"تاريخ دمشق" ٦/ ٥٦٤ - ٥٦٥ (مصورة دار البشير) والخبر فيه من طريق ابن سعد وفي "المستدرك" ٣/ ٤٢١: لاعبًا وجدًّا، وفي "الإصابة" ٤/ ٤٢: جادًّا ولا لاعبًا.
(٣) قال ابن عبد البر في "الاستيعاب" ص ٢٤٦: هذا عندي خبر لا يصحّ.
(٤) مسند أحمد (٢١٥٨٧).
(٥) طبقات ابن سعد ٥/ ٣٠٩.