للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قال: وجاءه أنسُ بن مالك، فقعد بين يَدَيهِ، وأخذ بيده وقال: إنَّ ابنَ أُمِّك زيادًا أرسَلَني إليك، وهو يُقرئك السلامَ، وقد بلغَه الذي [نزل] بك من قضاء الله تعالى، وقد أَحبَّ أن يُجَدِّدَ (١) بك عَهْدًا، ويسلِّمَ عليك، ويُفارِقَكَ عن رِضىً. قال: أَفَمُبلِّغُه أَنْتَ عني؟ قال: نعم. قال: فإني أُحَرِّجُ عليه أن يَدخُلَ لي بيتًا أو يحضرَ لي جنازةً. فقال: رَحِمَكَ اللهُ، قد كان لك مُعَظِّمًا، ولبَنيكَ واصلًا. قال: ففي ذلك غَضبْتُ عليه. قال: فما علمتُه إلا مجتهدًا في حاجةِ نفسك، فقال: أَجْلِسوني. فأَجلسوه، فقال له: نَشَدتُكَ الله لَما صَدَقْتَني؟ قال: نعم. قال: أَهلُ النهر؛ كانوا مجتهدين؟ قال: نعم. قال: أصابوا أم أخطؤوا؟ قال: هو ذاك. قال: أَصجِعوني. فرجع إلى زياد، فأخبره، فركب مُتَوجِّهًا إلى الكوفة، فتُوفِّيَ، فقدَّم بنوه أبا بَرْزةَ، فصلَّى عليه.

وقد رواه الحسن البصري فقال: مرَّ بي أَنَس، فانطلقتُ معه إلى أبي بكرة. وذكر بمعناه.

وفيه: فقال أنس: يا أبا بَكْرة. ألم يستعمل زيادٌ ابنك عُبَيدَ الله على فارس، وروَّادًا على دار الرِّزْق، وعبدَ الرحمن على الديوانِ وبيتِ المال؟ يعني أولادَ أبي بكرة. فقال أبو بكرة: وهل زادَهم على أن أدخَلَهم النارَ؟ فقال أنس: ما أعلمه إلا مجتهدًا، فقال له أبو بَكْرة: وأهلُ حروراءَ قد اجتهدوا، فأصابوا أم أَخطؤوا؟! قال الحسنُ: فرجعنا مَخْصومين (٢).

وعاد أنسٌ فأخبر زيادًا، فخرج من يومهِ إلى الكوفة. فما بلغ الجَلْحاءَ حتى مات أبو بكرة.

واختلفوا في وفاته: فقال ابنُ سعد (٣): مات أبو بكرة في خلافة معاوية بالبصرة في ولاية زياد. ولم يُعَيِّن السنة التي مات فيها.

وقال هشام: في سنة إحدى وخمسين.

وقيل: سنة اثنتين وخمسين، أو تسع وأربعين. والأوَّلُ أَشْهرُ.


(١) في "تاريخ بغداد" ٨/ ٥٨١، و"المنتظم" ٥/ ٢٤٨: يحدث.
(٢) ينظر "أنساب الأشراف" ١/ ٥٨٦.
(٣) الطبقات ٩/ ١٦.