وقال أبو اليقظان: لَمّا ركب يزيدُ الجيش وجاؤوا به إلى سورِ القسطنطينية، قالت الروم: لقد مات فيهم عظيم. فلمَّا دفنَّه في سورها ناداهم يزيد: يا أهلَ القُسطنطينية، هذا رجلٌ من أكابرِ أصحابِ نبيِّنا ﷺ، وقد دَفَنَّاه حيث تَرَوْنَ، واللهِ لئن تعرَّضتُم له، لأَهْدِمَنَّ كلَّ كنيسةٍ في أرض الإسلام، ولا يُضْرَبُ ناقوس بأَرضِ العرب [أبدًا].
فلما ارتحل المسلمون بنى عليه الروم بنْيانًا عظيمًا، وعلَّقوا عليه القناديل، وهم إلى هلُمَّ جَرًّا يعظّمونه ويتبرَّكون به ويستسقون (١) بقبره (٢).
[وقيل: إن يزيد أوطأ الخيل قبره لئلا يؤذونه، والأول أصحّ.
وحكى الخطيب عن شيخ من أهل فلسطين أنه رأى بَنِيَّةً دون القسطنطينية، فسأل عنها، فقيل له: هذا قبر أبي أيوب الأنصاري، قال: فأتيتُها؛ وإذا فيها قبر، وعليه قنديل معلّق بسلسلة] (٣).
وقال أبو ظبيان (٤) عن أشياخه: إنَّ أبا أيوب الأنصاريّ خَرَج غازيًا في أيام معاوية، فمرض، فلمّا ثَقُلَ قال لأصحابه: إذا أنا مِتُّ فاحملوني، فإذا صافَفتُم العدوَّ؛ فادفِنُوني تحت أقدامكم، وسأُحدِّثُكم بحديث سمعتُه من رسول الله ﷺ، لولا ما حضرني أجلي لم أُحدِّثكم به: سمعتُه يقول: "مَنْ ماتَ لا يُشْرِكُ باللهِ شيئًا دخل الجنَّةَ".
[واختلفوا في أيّ سنة مات؛ فحكينا عن ابن سعد أنه مات في هذه السنة.
وقال ابن عبد البَرّ: مات في سنة إحدى وخمسين (٥).
وقال سليمان بن رَزِين: سنة ثلاث وخمسين.
(١) في (ب): ويستشفون.
(٢) تاريخ دمشق ٥/ ٤٤٤ - ٤٤٥ (مصورة دار البشير).
(٣) تاريخ بغداد ١/ ٤٩٥، وتاريخ دمشق ٥/ ٤٤٥. وهذا الكلام الواقع بين حاصرتين من (م).
(٤) في (م): وقال ابن سعد بإسناده عن أبي ظبيان … والكلام في "طبقاته" ٣/ ٤٤٩، و"تاريخ دمشق" ٥/ ٤٤٢، وأخرجه أيضًا أحمد في "المسند" (٢٣٥٦٠).
(٥) الذي في "الاستيعاب" ص ١٩٧: "سنة خمسين، أو إحدى وخمسين، وقيل: بل كانت سنة اثنتين وخمسين، وهو الأكثر في غزوة يزيد القسطنطينية".