للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فاستيقظتُ فَزِعًا، فقلت لأصحابي: هل رأيتُم ما رأيت؟ قالوا: لا، فأخبرتُهم، فبينما نحن كذلك؛ إذْ خَرجَ خارجٌ من القصر، فقال: إنَّ الأمير يقول لكم: انصرفوا عنّي، فإنِّي اليوم عنكم لَمشغول. وأصابه الطاعون، فمات.

وقال القاسم بن سليمان (١): وقع طاعون بالكوفة، فبدَا زياد، فخرج من الكوفة، فلما ارتفعَ الطاعون؛ رجعَ، فطُعن في أصبعه.

قال القاسم: فأرسلَ إليَّ فأتيتُه، فقال: أتجدُ ما أجدُ من الحرّ؟ قلت: لا. قال: فإني أجدُ في قلبي مثل جمر النار. واجتمع إليه مئة وخمسون طبيبًا، منهم ثلاثةٌ من أطباء كسرى، فسُئلوا عنه، فقالوا: مُروه بالوصيَّة.

[وقال عمر بن شَبَّة:] وأشاروا عليه بقطع أصبعه، فاستشارَ شُرَيحًا القاضيَ في ذلك، فقال له: أخشى أن يكون الألَمُ في قلبك، والوَجَعُ في يدك، وأن يكون الأجل قد دنا، فتَلْقَى الله أجْذَمَ وقد قطعتَ يدَك كراهيةَ لقائه، أو أن يكونَ في الأجل تأخير، فتعيشَ أجْذَمَ، فتُعَيَّرَ به أنتَ وولدُك من بعدك. فتَرَكَها.

وخرج شُريح من عنده، فسألوه، فأخبرهم بما، أشار به، فلاموه وقالوا: هلا أشرتَ عليه بقطعها؟ فقال: قال رسول الله : "المستشار مؤتمن" (٢).

[وفي رواية: أن زيادًا أرسل إلى شُريح يستشيرُه في قطع يده، فقال له: لا تفعل، إنك إن عشتَ؛ عشتَ أجذم، كان هلكت؛ كنتَ جانيًا على نفسك] فقال زياد: أنامُ أنا والطاعون في لحاف واحد! وعزمَ على أن يقطعَ أصبعه، فلما نظرَ إلى النار والمكاوي جزع، فترك ذلك (٣).

و [قال المدائني:] ما كان زياد يقطعُ أمرًا دون شُريح، فقال له: ما تقول في قطع أصبعي؟ فقال له: سَلِ الأطباء. فسأل دينار مولى بكر بن وائل (٤)، فقال له: أينَ تجدُ الألم؟ قال: في قلبي. قال: عِشْ سَويًّا، ومُتْ سَويًّا، ولا تُمَثِّلْ بنفسك.


(١) في (م): وقال ابن أبي الدنيا بإسناده عن القاسم بن سليمان …
(٢) تاريخ الطبري ٥/ ٢٨٩، والمنتظم ٥/ ٢٦١ - ٢٦٢.
(٣) المصدر السابق، وما بين حاصرتين من (م).
(٤) بعدها في (م): وكان طبيب حاذق. (كذا).