للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وادفَعْ إليه مئتي دينار نفقةً لتربيته. ثم قال للرجل: عُدْ إلينا بعد أيام، فإنك جئتَنا وفي العيش يُبسٌ، وفي المال قُلٌّ (١).

فقال له الرجل: جُعِلتُ فِداك، لو سبقتَ حاتِمًا بيومٍ واحد ما ذكَرَتْه العربُ أبدًا، ولكنَّه سبقك، فجئتَ تاليًا، وأنا أشهدُ أن عَفْوَ جودِك أكثرُ من مجهوده، وطَلَّ كرمِك أكثرُ من وابِلِه (٢).

ونزل عُبيدُ الله على أعرابيٍّ في بعض أسفاره، ولم يكن عنده سوى شاةٍ، فذبَحَها له، فقال لمولاه: كم معك؟ فقال: خمسُ مئة دينار. فقال: ادْفَعْها إليه، فقال: إنما ذبحَ لك شاةً قيمتُها خمسةُ دراهم، وأنتَ لا تعرفُه! فقال: قد بَذَلَ لي مجهودَه، فلو أعطيتُه الدُّنيا كلَّها ما كافأْتُه، وهَبْ أنَّني لا أعرفُه، أما أعرفُ نفسي؟! فدفَعَها إليه وارتحلَ.

ثم إنه اجتازَ به بعد مدَّة وقد صارَ له نَعَمٌ وشاءٌ، فقال له: انزلْ عندي. فامتنع، فقال: هذه نعمتُك عليَّ وعندي. فقال: إني مجتازٌ في أمر. فلما سارَ قليلًا؛ قال في نفسه: لا يظنُّ الرجلُ أنِّي تَعَلَّلْتُ عليه لئلا أَرْفِدَه. فأرسلَ إليه بخمس مئةِ دينار، فتَبِعَه الرجلُ وقال: إنَّ المَدْحَ فيك أقلُّ من قليل، ولكن قد قلتُ أبياتًا أُحبُّ أن تَسمعها. قال: قل. فقال:

تَوَسَّمْتُهُ (٣) لَمَّا رأيتُ مَهابةً … عليه فقلتُ المرءُ من آلِ هاشمِ

أو المرءُ من آلِ المُرارِ فإنَّهم (٤) … ملوكٌ وأبناءُ الملوكِ الأكارمِ (٥)

فقمتُ إلى عَنْزٍ بقيِّةِ أعْنُزٍ … فَجَدَلْتُها (٦) فِعْلَ امْرِئٍ غيرِ نادم

فعوَّضَني منها غِنايَ وجادَ لي … بما لم تَجُدْ به عفْوًا كَفُّ آدمي (٧)


(١) في "العقد الفريد" ١/ ٢٩٦: قلّة، وهما بمعنى.
(٢) الطَّلُ، أضعفُ المطر، والوابل: المطر الشديد.
(٣) قال البغدادي في "الخزانة" ٨/ ٢٨٤: توسَّمتُه، بمعنى: تفرَّستُه، من التوسّم، يقال: توسَّمتُ فيه الخير، أي: طلبتُ سمتَه.
(٤) قال البغدادي في "الخزانة": من آل المرار، على حذف مضاف، أي: آل آكل المُرار، وهم ملوك اليمن.
(٥) أنساب الأشراف ٣/ ٦٥، وتاريخ دمشق ٤٤/ ٢٧٤. وروايته في "الخزانة" ٨/ ٢٨٢: ملوك عظام من كرام أعاظم.
(٦) في "تاريخ دمشق": فأذبحها، وفي "الخزانة": لأذبحها.
(٧) أنساب الأشراف ٣/ ٦٥، وفي "تاريخ دمشق": فعَوَّضَني منها غِنايَ وإنما يساوي لُحَيمُ العنز خمس الدراهم. =