للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ففعل الحُطَيئة ذلك، فلما رأته بنو قُريع قالوا:] (١) الداهية! يريد الزِّبْرِقانُ أن يستظهر [به] علينا. فأتاه بَغِيض بن شمَّاس، فقال: يا أبا مُلَيكة، هل لك [إلى خَصْلَةٍ هي] خيرٌ مِمَّا قصدتَ؟ قال: وما هي؟ قال: مئةٌ من الإبل تتعجَّلُها وتنزُل عندنا. قال: نعم. فنزل عليهم، وعدلَ عن الزِّبْرِقان.

وجاء الزِّبرقان إلى امرأتِه، فقال: أين جاري؟ فقالت: خَبُث عليك.

وأقام في بني قُريع يهجو الزِّبْرِقان، فقال من أبيات:

دعِ المكارمَ لا تَرْحَلْ لِبُغْيَتِها … واقْعُدْ فإنك أنتَ الطاعِمُ الكاسي (٢)

ومات أبو بكر ، وقام عمر ، فاستعدى عليه الزِّبْرِقانُ [عمرَ] (٣) وقال: هجاني وأنشد البيت عمر ، فقال [له]: ليس هذا بهجوٍ، أما ترضى أن تكون طاعمًا كاسيًا؟! فقال الزِّبْرقان: فسَلْ حسانَ بنَ ثابت. فأرسلَ إليه عمر رضوان الله عليه، فسأله (٤)، فقال حسان: ما هجاه، ولكن سَلَحَ عليه! فحبسَ عمر الحُطَيئةَ، فأطال حَبْسَه، فكتبَ إليه من الحَبْس يقول:

ماذا تقولُ لأفراخٍ بِذي مَرَخٍ (٥) … زُغْبِ الحواصلِ لا ماءٌ ولا شَجَرُ

غادَرْتَ كاسِبَهُم في قَعْرِ مُظْلِمةٍ … فَارْحَمْ عليك سلامُ اللهِ يا عُمَرُ

أنتَ الإمامُ الذي من بعدِ صاحبِهِ … أَلْقَتْ إليك مقاليدَ النُّهَى البَشَرُ

فامْنُنْ على صِبْيَةٍ بالرَّمْلِ مسكنُهمْ … بين الأباطح تغشاهم بها القِرَرُ (٦)

نفسي فداؤك كم بيني وبينهمُ … من عَرْضِ داوِّيَةٍ (٧) تَعْمَى بها الخُبُرُ (٨)


(١) الكلام بين حاصرتين من المصدر السابق.
(٢) البيت في "ديوان الحطيئة" ص ٢٨٤ ضمن قصيدة.
(٣) ما بين حاصرتين ضروري لسياق الكلام، وينظر "الأغاني" ٢/ ١٨٦، و"المنتظم" ٥/ ٣٠٨، و"ديوان الحطيئة" ص ٢٨٣ - ٢٨٤.
(٤) في "مختصر تاريخ دمشق" ٦/ ٢٤: قال عمر لحسان: ما تقول؟ أهجاه؟ وعمر يعلم من ذلك ما يعلم حسان، ولكنه أراد الحجَّة على الحطيئة.
(٥) ذو مَرَخ: وادٍ قُرب فَدَك (وفَدَك قرية بالحجاز بينها وبين المدينة يومان). ينظر "معجم البلدان" ٤/ ٢٣٨ و ٥/ ١٠٣.
(٦) لم تجوَّد الكلمة في (ب) و (خ) فوقع فيهما: القور. والمثبت من "ديوان الحطيئة" ص ٢٠٨. قال شارحه: القِرَر: جمع قِرَّة، بالكسر، وهي البرد. وينظر "الأغاني" ٢/ ١٨٨.
(٧) أي: فلاة.
(٨) ينظر "ديوان الحطيئة" ص ٢٠٨ - ٢١٠.