للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[قال:] ومَرَّ الحطيئة بحسان وهو يُنشد، فوقف عليه يسمع، فقال له حسان: مَنْ أنت؟ فقال له: أبو مُلَيكَة. فقال: ما كنتَ أهْوَنَ عليَّ منك حيث اكتنَيتَ بامرأة. فقال: أنا الحُطَيئة. فقال: اذْهَبْ بسلام (١).

وقالت مُليكة بنتُ الحطيئة: يا أبَهْ، ما بالُك صِرْتَ إلى القصائد القصار بعد الطِّوال؟ فقال: لأنها في الآذان أَوْلَجُ، وفي المحافل أجْوَلُ (٢)، وعلى القلوب أسهل، وبأفواه الرجال أعْلَق.

وقال أبو عمرو بن العلاء: أصدقُ بيت قالت العرب:

يقولون يستغني وواللهِ ما الغِنَى … من المالِ إلا ما يكفُّ (٣) وما يكفي

ومن أحسن ما قال الحطيئة في آل منظور بن زبَّان من أبيات:

أَقِلُّوا عليهم لا أَبا لأبيكُمُ … من اللوم أو سُدُّوا المكانَ الذي سَدُّوا

أولئك قومٌ إنْ بَنَوْا أحْسَنُوا البِنا … وإنْ عاهدوا أوْفَوْا وإنْ عَقَدُوا شَدُّوا

وإنْ كانتِ النَّعماءُ فيهم جَزَوْا بها … وإنْ أَنْعَمُوا لا كدَّرُوها ولا كَدُّوا

هُمُ آلِ سَيَّارِ بنِ عمرو بن جابرٍ … رجالٌ وَفَتْ أحلامُهم ولهم جَدُّ (٤)

ولما نزلَ الموتُ بعبد الله بن شدَّاد (٥) قال لابنه: يا بُنَيَّ، كُنْ كما قال الحُطيئة:

ولستُ أرى السعادةَ جَمْعَ مالٍ … ولكنَّ التَّقِيَّ هو السعيدُ

وتقوى اللهِ خيرُ الزادِ ذُخْرًا … وعند اللهِ للأَتْقَى مَزِيدُ

وما لا بُدَّ أن يأتي قريبٌ … ولكنَّ الذي يمضي بعيدُ (٦)


(١) الأغاني ٢/ ١٧٠.
(٢) في (ب) و (خ): أجزل، والمثبت من (م)، وهو الموافق لما في "مختصر تاريخ دمشق" ٢/ ٢٢.
(٣) في "ديوان الحطيئة" ص ٣٢٠ والمصادر: ما يُعِفُّ، وينظر "مختصر تاريخ دمشق" ٦/ ٢٢، و"بهجة المجالس" ١/ ٢٠٧.
(٤) في (ب) و (خ): جدُّوا. والمثبت من "جمهرة نسب قريش" ١/ ١٦ والأبيات (ما عدا الأخير) في "ديوان الحطيئة" ص ١٤٠، وينظر "مختصر تاريخ دمشق" ٦/ ٢٣. ولم ترد الأبيات في (م).
(٥) في (ب) و (خ): سلام، وهو خطأ، والمثبت من (م). وينظر "الأغاني" ٢/ ١٧٥، و"مختصر تاريخ دمشق" ٦/ ٢٣.
(٦) ديوان الحطيئة ص ٣٩٣، ومختصر تاريخ دمشق ٦/ ٢٣.